الثورة- نور جوخدار:
في 10 آذار الماضي، وقع السيد الرئيس أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، اتفاقاً لوقف إطلاق النار، يتضمن الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة، وضمان حقوقه الدستورية، كما نص الاتفاق على دمج مؤسسات شمال شرق سوريا المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة بما في ذلك المعابر والمطارات وحقول النفط والغاز.
الاتفاق، المؤلف من ثمانية بنود، شمل أيضاً ضمان عودة المهجرين إلى مناطقهم، خاصة في عفرين ورأس العين وتل أبيض، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية، على أن تنجز اللجان التنفيذية تطبيق بنوده قبل نهاية العام الحالي.
ورغم مرور أربعة أشهر على توقيع الاتفاق، لم يُنفذ منه سوى بند وقف إطلاق النار، والذي شهد بدوره خروقات في محيط سد تشرين، وفق وزارة الدفاع السورية.
تلا توقيع الاتفاق إعلان حزب العمال الكردستاني في تركيا الذي يعد “الأب الروحي” لـ”قسد” حل نفسه، كما ساهم تقليص الدعم الأميركي لـ”قسد” والتقارب الأميركي – التركي، في إضعاف موقفها التفاوضي، ما دفعها إلى التقارب مع خصومها السابقين من أحزاب المجلس الوطني الكردي، في محاولة لتشكيل جبهة كردية موحدة أمام دمشق، لكنها فشلت في ذلك بسبب تمسك تلك الأحزاب برفض مطلب “قسد” في البقاء ككتلة عسكرية مستقلة داخل وزارة الدفاع.
بعد ثلاث جولات تفاوضية، عُقدت الجولة الرابعة في التاسع من تموز الماضي، بحضور وفد من “الإدارة الذاتية” ووفد حكومي سوري، إلى جانب المبعوث الأميركي نيكولاس غرينجر، والفرنسي فرانسوا غيوم، وأسفر الاجتماع عن اتفاق أولي لعقد لقاء عسكري رفيع بين “قسد” ووزارة الدفاع السورية، بهدف بحث آليات دمج القوات الكردية في الجيش السوري، كما تم التوافق على إدارة مشتركة للمعابر الحدودية، واستئناف عمل مؤسسات الدولة في مناطق “الإدارة الذاتية”، وعودة المهجرين، لاسيما من عفرين ورأس العين وتل أبيض.
ورغم أن الجولة وُصفت إعلامياً بالإيجابية، إلا أنها لم تحقق تقدماً فعلياً بسبب ما وصفه مراقبون بـ”تعنت الجانب الكردي” وخروجه عن إطار اتفاق آذار الماضي.
تصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك كانت مؤشراً على تعثر المفاوضات لكونه حمّل قسد المسؤولية وقال: “بصراحة تامة، أرى أن قوات سوريا الديمقراطية كانت بطيئة في القبول والتفاوض والمضي قدماً نحو ذلك، الفيدرالية “غير ممكنة في سورية، وطالبهم أن يسرعوا فهناك طريق واحد فقط أمامهم، وهذا الطريق يؤدي إلى دمشق”.
في المقابل، يرى محللون أن هذه المكونات تسعى إلى إنشاء كيانات خارج سيطرة الدولة السورية، بهدف الابتزاز السياسي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، واستغلال الضغوط على سوريا، مطالبين أن تتخلى “قسد” عن مطلب الحكم الفيدرالي الذي يرفضه أغلبية السوريين، والبدء بتنفيذ الاتفاق فوراً، مشيرين إلى أن استمرارها في البحث عن داعمين جدد غير واقعي في ظل انشغال القوى الإقليمية بأزمات أخرى.
وأثار المؤتمر الذي عقدته “الإدارة الذاتية” في مدينة الحسكة، غضب دمشق التي اعتبرته ضربة لجهود التفاوض الجارية مع الحكومة المركزية الجديدة.
وفي بيان رسمي صدر السبت، أعلنت الحكومة السورية رفضها المشاركة في أي جولة مفاوضات جديدة مع “قسد”، بما في ذلك الاجتماعات المزمع عقدها في باريس، معتبرة أن مؤتمر الحسكة “يشكّل تقويضاً لمسار الحوار”.
وكان من المقرر عقد جولة جديدة من المفاوضات في باريس بتاريخ 25 تموز، لكن دمشق ألغتها قبل سفر الوفد الكردي الذي كان سيتوجه عبر أربيل، برعاية رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني.
وأعيد طرح موعد مبدئي للجولة في 10 و11 آب، فيما طرح مظلوم عبدي مؤخراً فكرة وساطة سعودية في مقابلة مع قناة “الحدث” السعودية.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن اجتماع باريس كان قد تم الترتيب له على عجل عقب لقاء عمّان في 19 تموز الماضي، وشارك فيه المبعوث الأميركي توم باراك، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وقائد “قسد” مظلوم عبدي، ونقل “التحالف الدولي” رسالة مفادها أن تسريع عقد الاجتماع قد لا يخدم مسار التفاوض، خصوصاً مع اقتراب الإعلان عن خطوات عملية متقدمة في تنفيذ اتفاقية 10 آذار.
رغم الجهود الدولية والمساعي الدبلوماسية، وبين إصرار الحكومة على وحدة الدولة ومؤسساتها، وتعنت “قسد”، يبدو أن مسار التفاوض يواجه مأزقاً جديداً بعد مؤتمر الحسكة، فهل سيتم تغليب منطق الشراكة الوطنية على حساب التجاذبات السياسية والميدانية، أم سنشهد توترات جديدة في المشهد السوري؟.