الثورة – عبد الحليم سعود:
يخطئ من يظن أن بإمكانه أن يختصر سوريا أو السوريين بحزب أو نظام أو طائفة أو مكون سياسي من لون واحد، أو مليشيا عسكرية لها أجندة أو حسابات خاصة أو ارتباطات خارجية، كما كان الحال أيام نظام البعث البائد، وكما هو الحال اليوم مع مليشيا “قسد” الانفصالية التي تورمت لدى بعض متزعميها الكثير من العقد فظنوا أنفسهم استثناء أمام بقية السوريين، وأنهم يستطيعون رسم مستقبل سوريا وفق أهوائهم الشخصية ورغباتهم الضيقة بعيدا عن منطق التاريخ والجغرافيا.
لقد تجاهلوا خلال السنوات الماضية أن سوريا كانت على مدى تاريخها الطويل أنموذجا يحتذى في التنوع البناء والعيش المشترك والتعايش السلمي بين جميع مكوناتها على اختلاف انتماءاتها الاثنية والعقائدية والعرقية، وأنها احتضنتهم ورعتهم كما احتضنت ورعت غيرهم من باقي المكونات، وعاملتهم كما تعامل الأم بقية أبنائها، ونادراً ما تم اختراق هذا الأنموذج الفريد في العيش والتعايش إلا في فترات قصيرة جداً وبضغط وتدخل من قوى خارجية لم تكن معنية على الإطلاق بوحدة سوريا واستقرارها وسلامة أراضيها وشعبها.
لقد حظيت سوريا بتنوع حضاري وثقافي وديني واجتماعي وعرقي جعلها أمثولة في التعايش والوحدة في هذه المنطقة من العالم، وهو ما حصّنها ومكّنها من مواجهة كل الظروف والتحديات الصعبة، وهذا ما يجب أن نحرص ونحافظ عليه لتفويت الفرصة على كل العابثين ممن يريدون المساس بسيادتها واستقلالها ووحدتها، وجرّها إلى مخططات الفدرلة والتقسيم البعيدة كل البعد عن مصالح السوريين.
لا شك أن سوريا اليوم تمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة جداً من تاريخها، بحكم انتقالها من مرحلة تدمير واستبداد إلى مرحلة بناء وحرية، وهي مدعوة بقوة لترسيخ وحدتها وتعزيز اللحمة الوطنية بين أبنائها للعبور إلى مستقبل مشرق يليق بكل السوريين، وليس بخافٍ على أحد أن نظام الطاغية البائد، الذي استثمر طويلا في معاناة السوريين، ولعب على وتر التناقضات لمصلحة بقائه واستمراره، ما يزال يحاول من خلال بعض أدواته الداخلية تعميق الشرخ الداخلي وتفتيت النسيج الوطني انتقاماً لهزيمته المدوية، حيث تتقاطع مصالحه مع مصالح العدو الإسرائيلي في تفتيت سوريا وخلق المشكلات بين أبنائها من أجل العودة من الباب الخلفي، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن السوريين الذي دفعوا ثمن حريتهم غالياً لن يسمحوا له بالعودة أو تمرير مشاريعه التخريبية تحت عناوين مخادعة ومضللة.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية الوحدة والتلاحم الوطني بين السوريين لأنهم محكومون بالعيش المشترك والتعايش السلمي والابتعاد عن مشاريع الانقسام والتقسيم، ونبذ الاحتكام للسلاح أو العنف أو التجييش في حل المشكلات التي تعترضهم، وعدم الاستقواء بالخارج أو الارتهان لأحد.
لقد أثبتت التجربة أن المؤتمرات المشبوهة ذات الأجندات الخاصة والفئوية الضيقة لا تخدم الأمن والاستقرار في سوريا، بل تؤسس لانقسامات مجتمعية عميقة وتغذي احتمالات الحروب الداخلية والأهلية، ومن الحكمة الذهاب إلى مؤتمر حوار وطني تحت سقف الدولة الحالية لتسوية كل الخلافات وتذليل كل العقبات التي تحول دون تعافي سوريا وإعادة بنائها وترسيخ استقرارها.
علينا أن نتذكر دائماً أن الحرب المريرة التي عاشها السوريون تركت آثاراً كارثية على الوضع الداخلي وأفرزت أزمات اقتصادية خانقة لمعظم السوريين، وتدهور هائل في البنية التحتية، ونقص كبير في الخدمات الأساسية، لذلك لم يعد من المقبول أن نزيد من معاناة شعبنا بإشعال فتيل الفتن والتحريض على بعضنا البعض، وطرح مشاريع التفتيت والانقسام والفدرلة التي لا تمت لمصلحة السوريين بصلة.
ينبغي أن نتوجه للسلام بكل قوة، وأن نعلي كلمة الحق والعقل، وأن نغلب المصلحة الوطنية على كل مصلحة خاصة، إذ لا يمكن القبول بميليشيات خارج إطار الجيش والدولة، أو نسمح بمؤتمرات تسيء إلى نسيجنا الوطني أو تضعف روح الانتماء للوطن الواحد، فالسلم والتعايش يجب أن يكونا عنوان المرحلة القادمة، وهما الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه مستقبل مستقر وآمن.
ينبغي أن تكون سوريا فوق الجميع ومصلحتها فوق مصلحة الجميع، كما ينبغي أن نكون سوريين قبل كل شيء، سوريين بالهوية والانتماء والحرص على الوطن، وأن نتشارك جميعا بكل ما يسهم بالحفاظ على سيادة البلاد وصون كرامة المواطن.