الثورة – سيرين المصطفى
أحيت قرية اليعقوبية في ريف جسر الشغور غربي إدلب، يوم الأحد 10 آب/أغسطس الجاري، طقوس عيد القديسة آنا، شفيعة الكنيسة التي تحمل اسمها، وحملت هذه المناسبة طابعاً مميزاً وأهمية خاصة، كونها تُقام للمرة الأولى منذ 14 عاماً، وشهدت حضوراً لافتاً لحجاج أرمن سوريين قدموا من مدينتي حلب واللاذقية.
وأجرى الأب ليفون يغيايان، وكيل المطران في الجزيرة، زيارة إلى كنيسة القديسة آنا، بتكليف من المطران ماكار أشكاريان، مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها، وذلك لمعاينة الترتيبات النهائية الخاصة بتكريس الكنيسة، ومتابعة التحضيرات الجارية لإحياء العيد السنوي.
رافق الأب ليفون وفد من لجان الأخوية في الكنيسة من عدة محافظات، حيث قاموا بجولة ميدانية لتفقد المكان، وشاركوا في الصلوات التمهيدية تمهيداً للقداس والطقوس الرسمية التي تُقام في أواخر شهر أغسطس من كل عام.
بحسب مصادر تاريخية، فإن كنيسة القديسة آنا، تُعتبر من أقدم المعالم الدينية في سوريا، حيث شُيّدت في أوائل القرن الخامس الميلادي، حوالي عام 400م. يُقال إن بناؤها ينسب إلى الملكة هيلانة، وأُهديت إلى القديسة آنا، والدة الأسقف كوريغ (يهوذا)، التي ماتت في القدس خلال اضطهادات الإمبراطور الروماني يوليان المرتد.
وفي عام 1722، تعرضت الكنيسة لأضرار بالغة جراء زلزال قوي تسبب في خرابها وترك المنطقة مهجورة لفترة طويلة. إلا أن أحداثًا مهمة وقعت عام 1814، حينما لاحظ السكان المحليون بريقاً من الضوء ينبعث من أنقاض الكنيسة، ما حفزهم على إعادة ترميمها وإحيائها كمكان مقدس للعبادة، بناء على ما ذكرت تلك المصادر.
في مراحل لاحقة، شهدت الكنيسة عمليات ترميم شاملة عام 1914، في الفترة التي سبقت الإبادة الجماعية للأرمن. ثم خضعت مذبحها لتجديد كامل عام 1995، مما أعاد إليها رونقها وجمالها، لترتقي مرة أخرى إلى مكانة بارزة كواحدة من أهم الكنائس في المنطقة ومركزاً دينياً رئيسياً للطائفة الأرمنية.
وبحسب المعتقدات الشعبية السائدة في المنطقة، فإن كنيسة القديسة آنا ذات صلة بالعديد من المعجزات، وبقيت كمركز بالغ الأهمية للصلاة والحج عبر مراحل التاريخ، لاسيما لدى المجتمع الأرمني، الذي أقام في المنطقة منذ عام 1046 م، ليصون التقاليد والهوية الدينية بالرغم من التحولات الجغرافية والسياسية.
وتبعاً للأهالي في اليعقوبية فإن إحياء طقوس عيد القديسة ٱنا، ليس مجرد احتفال ديني فحسب، بل هو رمز لعودة الحياة إلى تقاليد روحية وثقافية عريقة تمتد لقرون عديدة وطويلة، ويجسد ثبات مجتمع كامل، ويرمز إلى صموده وتماسكه بذاكرته وهويته رغم سنوات طويلة من الغياب والانقطاع.