الثورة – وفاء فرج:
تنوع شكل الاقتصاد السوري على مدار عدة عقود من اقتصاد الحماية إلى اقتصاد سوق اجتماعي حتى وصلنا اليوم إلى الإعلان عن اقتصاد سوق حر غير مرتبط بأي نوع من الحماية، ولا حتى متعلق بشبكة الأمان الاجتماعي الذي ارتبط بها شكل الاقتصاد لمدة سنوات طويلة.
ولدى تحليل الواقع الحالي يتبادر إلى الذهن هل حققنا فعلاً مقومات السوق الحر؟.. وهل فعلاً أصبح شكل الاقتصاد حراً أم فقط لا يتعدى نوعاً من الفوضى الاقتصادية؟.. هذه الأسئلة أجاب عليها بعض المختصين.
اقتصاد سوق حر تنافسي
النائب السابق لغرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، يرى أنه تم الخروج من اقتصاد السوق الموجه إلى اقتصاد السوق الحر التنافسي، بمعنى أننا نعمل من دون وجود معايير وضوابط حتى الآن تنظم وتضبط عمل الاستيراد والتجارة بشكل جيد، مبيناً أن هذا الوضع الذي نحن به اليوم هو بسبب وجودنا بالصدمة، من اقتصاد سوق موجه إلى اقتصاد سوق تنافسي، وحتى يصبح اقتصاد سوق تنافسي وواقعي وجيد وإيجابي، كما نتمناه ونرغبه، يجب الخروج من الكثير من التشوهات، وذلك من خلال وضع ضوابط وقواعد للعمل، “وكمثال” السيارات “يجب أن يكون هناك اشتراطات عند استيراد سيارات مستعملة أقل من ثلاث سنوات أن تكون حاملة لشهادة مطابقة وجودة ومعايير السلامة محققة فيه، وهذا لا يتحقق إلا عند وجود قواعد وضوابط على استيراد السيارات.
تأخير في وضع ضوابط
وأوضح الحلاق، أنه حصل تأخير في وضع الضوابط، وعندما يكون هناك مادة سيتم استيرادها ولها بديل من الصناعة المحلية، التي يجب أن تكون مدخلات الإنتاج الخاصة بها، معفاة من الرسوم الجمركية، واستيراد المادة المنافسة لها مفروض عليها رسوم جمركية إلى حد ما، لابد من تخفيض كلف الإنتاج في هذه الحالة، كالاهتمام بحوامل الطاقة التي تعنى بكل منتج بخصوصيته، وتأمين الظروف الأنسب بحيث تحافظ على تنافسية مرتفعة.
تعديل القوانين
ولفت الحلاق إلى أنواع أخرى من الضوابط المتعلقة بضرورة تعديل قوانين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بشكل سريع، من أجل أن لا تكون مرهقة سواء على العمالة أو صاحب العمل، بالنسب التي يجب تسديدها، موضحاً أن الأمر له علاقة بالتكامل ما بين كل المنظومة وأطراف المعادلة من تجارة وصناعة وسياحة وزراعة وسواها.
وأكد أن الاقتصاد السوري لايزال يمر بمرحلة مخاض، على الرغم أن اختيارنا هو اقتصاد السوق الحر التنافسي، إلا أن المرحلة التي يعيشها، مرحلة خرق توازنات وهذا أمر عادي، إلا أنه مشكلة قائمة وأمر اعتيادي ولا نتمناه أن يكون، لافتاً إلى أنه وبعد ثمانية أشهر من تبني اقتصاد السوق الحر، لابد أن تكون الأمور قد تبلورت بشكل أكبر، وأن يكون تم وضع الضوابط الإنتاجية وتسريع عجلة دوران المعامل والزراعة وسواها.
واعتبر الحلاق إن النظام الاقتصادي الأنسب لسوريا، هو اقتصاد السوق الحر الذي يقوم على مبدأ التنافسية والشفافية والعدالة، التي يجب وضعها، وخاصة المنافذ الجمركية والرسوم المتكافئة بين كل المنافذ الجمركية، وأسلوب العمل لديها، إلا أننا حتى الآن هناك بعض المنافذ الجمركية، قد تكون تكلفتها أقل من بعضها الآخر، وقد يكون هناك تسهيلات اكبر من غير منافذ.
آملا أن يكون عمل كل المنافذ الجمركية بوتيرة واحدة، ونظام موحد، وليس فقط بموضوع الرسوم، وإنما بمنظومة العمل بشكل كامل، بحيث تكون هذه المنظومة ميسرة للعمل، ونوه إلى وجود جهود كبيرة بهذا الاتجاه إلا أنه لايزال هناك بعض التشابكات، وهناك تهريب في بعض الأماكن، والذي يجب إغلاقه بشكل أو آخر.
تعديل المنظومة الضريبية
ويرى الحلاق أنه عندما يتم الاتجاه نحو تعديل المنظومة الضريبية، والشؤون الاجتماعية والعمل بشكل كامل، ويكون هناك سعر صرف عادل وحقيقي، وسيولة نقدية بالأسواق وأيد عاملة بشكل متكامل، سيمنح الشكل الأنسب للنظام الاقتصادي السوري التنافسي، ويتيح للجميع أن يكون رابحاً، مشيراً إلى أن المهم هو تحقيق إنتاجية أعلى ووفورات، وبالتالي التصدير والاستفادة من الموارد الباطنية المتاحة، وتعزيز مفهوم السياحة وزيادة عدد السياح، بهدف زيادة الدخل واستقطاب الخبرات الخارجية، بحيث يحقق قيمة مضافة في سوق العمل.
وأكد أن تحقيق هذه الأمور، لا يكون إلا من خلال وجود مهتمين يعملون على خلق التوازنات، والحكومة بدورها يكون عملها من خلال إيجاد معايير، وبالتالي تحقيق التشاركية ما بين الناس التي تمارس الأعمال على الأرض، وبين الحكومة التي يوجد لديها في الأخير خطوات ورؤية، وترتيبات معينة للعمل، فإننا نصل إلى تحقيق المعادلة وهي الانتقال إلى اقتصاد سوق حر تنافسي وبوفرة مواد وعمالة وأموال وسواها. يعبر عن ردة فعل على اقتصاد الاحتكار بدوره الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش أوضح أنه بعد أن تم الإعلان رسمياً بعد التحرير على اعتماد مفهوم اقتصاد السوق الحر كنهج اقتصادي جديد لسوريا الجديدة، وتم تداول العديد من الأفكار حول هذا النهج كالميل للتخلص الكامل من القطاع العام وفتح أبواب الاستثمار لكافة المجالات والقطاعات وكذلك اتخاذ العديد من الإجراءات التي تخدم هذا التوجه كتحرير أسعار السلع المدعومة كالخبز والمحروقات وإلغاء العمل بالبطاقات “الذكية”.
وأكد أنه كان من الواضح أن اقتصاد السوق الحر يعبر عن ردة فعل على اقتصاد احتكار القلة الذي كان سائداً سابقاً والذي أدى إلى تدمير الاقتصاد الوطني وتراجع كبير في التنمية مقابل تراكم الثروات لدى قلة عمقت من ضعف العدالة الاجتماعية، ولاسيما من خلال توزيع وإعادة توزيع الثروة (الدخل مثالاً عنها) كما تغول اقتصاد الظل ولا سيما الشق غير الشرعي منه. وبين أنه رغم صوابية التوجه الجديد نحو اقتصاد السوق الحر إلا أنه مازال بحاجة للكثير من العمل لاعتماده كهوية جديدة للاقتصاد الوطني في سوريا الجديدة.
ويقول الدكتور عياش: هوية الاقتصاد تكتسب الشرعية من الدستور، مبيناً أن الهوية الاقتصادية تكتسب الشرعية من خلال إقرارها واعتمادها ضمن الدستور وعبر البرلمان.. وكذلك تحتاج إلى تغيير التشريعات والقوانين الناظمة للحياة الاقتصادية ولاسيما قوانين كالاستثمار والضرائب والأجور والنظام المصرفي والحوكمة، وكذلك بناء السيناريوهات المتعددة القادرة على مواجهة المتغيرات والتحديات الكبيرة التي تتطلبها مرحلة التعافي وبعدها إعادة البناء والإعمار، مع ضرورة تحديد أولويات تنموية تتناسب مع كل مرحلة، فالأهم من المسميات هي الآليات والنتائج المتوقعة منها.. فمهما كانت المنهجية الاقتصادية المعتمدة نحتاج أن تكون قادرة على تحقيق اقتصاد متنوع ومتكامل أساسه الإنتاج بمختلف أشكاله (المادي الزراعي والصناعي والتقني) والتصدير، لتحقيق التنمية الذكية المنشودة.