ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
ستحتفي الأعراب طويلاً وستخلّد اليوم الذي بات بإمكان رؤساء أركان جيوشها الجرارة ومن معها أو بقي من العرب أن يلتقوا ويعقدوا اجتماعاً عجزوا عنه على مدى سنوات طويلة، وربما قد تكون المرة الأولى التي يتقاطرون فيها دون أي إحساس بالخشية من ردة الفعل الأميركية أو الإسرائيلية.
فالمؤكد أن الطلب إسرائيلي وواضح المعالم ويحمل في طياته ما يتناغم مع الدور الجديد والمهمة الوظيفية المحدثة، طبقاً لشروط ومعطيات ما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات دفعت بالكثير من الدول الوظيفية إلى البحث عن هياكل وزوايا جديدة تتيح لها القدرة على الاستمرار، حتى لو اقتضى الأمر أن تكشف عن آخر أوراقها وأن تميط اللثام عما أخفته طوال عقود وجودها.
هذا التسويغ تطرح الأعراب من موقعها الجديد ما عجزت عن التفكير به، وما رفضت مراراً أو تكراراً الإشارة إليه في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ولو كان من باب التلويح، وبهذا التسويغ ستعود إلى منصات حضورها العسكري وقد رسمت أفقاً من الإشارات المبهمة حول دور بعض الجيوش العربية التي ارتضت أن تكون جزءاً من فرضية مسبقة، أو نوعاً من الغطاء على مرامٍ وأهداف لم يكن من الصعب أن تراها العين، ولا أن يدركها اليقين، وخصوصا حين تكون مزنرة بكل تلك الأفخاخ ومحاطة بكل هذه الشكوك.
فتشكيل قوة عربية كانت أمراً مطلوباً، بل مشروعاً على مدى العقود الماضية، وكانت مبرراته مفهومة لو اقتضتها المصلحة العربية المشتركة الحقيقية لمواجهة خطر الإرهاب ومن يدعمه، أو كانت تحت عناوين واضحة وغير ملتبسة، أو لو أنها ليست تحت هيمنة المال الخليجي، وهو الذي سخّر حضوره لخدمة الأطماع الغربية، وحماية المصالح الإسرائيلية، وآخرها ما كشفت عنه الصحف الإسرائيلية والمتعلق بحجم التمويل السعودي للبنى التحتية في إسرائيل.
والأمر ذاته كان مفهوماً لو أن الطرح جاء تحت عناوين حقيقية تعكس ما تواجهه الأمة وما يتهددها، وليس بناء على أمر عمليات اقتضته على الأقل الصيغة الأميركية لإدارة الحروب بالوكالة، وتحديداً ما يتعلق منها بما هو موكول لهذه القوة، والحديث الممجوج عن الصيغ المطروحة والمبررات الفعلية.
فرؤساء هيئة أركان الجيوش العربية يلتقون وقد سبقتهم «صفحات» مطولة من بطولاتهم وفتوحاتهم، وترافقهم نياشين الأدوار المنتظرة، فيما تلحق بهم الكثير من الريبة في المهمة الإضافية التي قد تتحول في لحظة ما إلى المهمة الوحيدة بعد أن فاتهم التدقيق في مضمون الصيغة وأفق المطلوب حين وصلتهم مذكرة الجلب الموقعة باسم الجامعة المصادرة من مشيخات الخليج.
سيكون اللقاء فرصة نادرة للاستماع المسهب إلى إنجازات الجيش الملكي السعودي في تدمير اليمن، وكيف تمكن «بكفاءة» من استنساخ التجربة الإسرائيلية في قتل المدنيين وتدمير المشافي والمدارس، وقد حققوا إصابات مباشرة فيها حتى أنهم لم يخطئوا في أي هدف لحي سكني أو لمنازل الصفيح لكثير من اليمنيين، ولا في تخريب البنية التحتية.
اللافت أن اللقاء والدعوة والاجتماع وحتى جدول الأعمال المقترح وبنود الطرح ، جميعها لم تتطلب الكثير من الوقت ولا النقاش، وحتى مهمة القوة العربية المشتركة لم تكن بحاجة لاستشارة، بحكم أن الإذن الأميركي الإسرائيلي جاء مسبقاً، بدليل أن هذه القوة المنتظرة التي عجز عنها العرب على مدى عقودهم الماضية، لم تضع في استراتيجيتها ولا في الأوراق المطروحة على طاولة النقاش مهمة مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهي قضية ليست من اختصاصهم أو من مهامهم.
قد يكون توصيف السماجة على ما يجري مجحفاً بحق السماجة، وقد يكون أي جدل حولها في غير موقعه وموضعه، بعد أن وصلت الأمور إلى سراديب البحث والتنقيب عن أحجيات الفعل الأعرابي لتكون الساحات العربية مسرحاً لحروب الوكالة وبديلاً للجبهات المحتملة مع إسرائيل، أو ترحيلاً نهائياً لها من أجندات الأعراب، وإن كانت قد شطبتها منذ زمن بعيد، لكن هذه المرة بتوقيع من بعض العرب.
a.ka667@yahoo.com