الثورة – حسين روماني:
في أروقة الدورة 62 من “معرض دمشق الدولي”، كانت الشابة نور تمشي بين الأجنحة بخطوات متسارعة، تفتح هاتفها وتبحث عن موقع المؤثرة والفنانة يمنى الحلبي التي عرفت بدور “زهرية” في مسلسل “الخوالي” بين الحشود.
لم يكن بحثها مجرد محاولة للقاء ممثلة شابة عرفها جيلها عبر الشاشة، بل تعبيراً عن حاجة جيلٍ كامل إلى وجوه قريبة، مؤثرة، وملتصقة باليوميات أكثر من أي خطاب رسمي.
هذا المشهد يلخص العلاقة الجديدة بين السوريين وصنّاع المحتوى حضور حيّ، مباشر، وملموس.
عودة المعرض.. وعودة المؤثرين
شعار هذا العام “سوريا تستقبل العالم” لم يكن موجهاً فقط للوفود والشركات، بل أيضاً لشخصيات صنعت حضورها على “تيك توك” و”إنستغرام” و”يوتيوب”.
مشاركة المؤثرين لم تأتِ بوصفها زينة إعلامية، بل جسراً فعلياً بين زائر المعرض والفضاء الرقمي؛ فمقاطع قصيرة وصور عفوية باتت تسوّق للأجنحة بفعالية تفوق الحملات التقليدية، وتنقل صورة نابضة عن بلدٍ يصرّ على العودة إلى الحياة العامة.
أما يمنى الحلبي، فقدمت نموذجاً مختلفاً، بوجهٍ هادئ وصوت يعرفه المشاهدون منذ بداياتها في الدراما السورية، جالت بين الأجنحة لتشارك صوراً ومقاطع من داخل المعرض، جمهورها تفاعل مع حضورها بوصفه “لقاءً مؤجلاً”، وكأنها تعود من الشاشة إلى الواقع، بالنسبة إلى جيلٍ مثل نور، فإن لقاء الحلبي يوازي إعادة وصل ذاكرة الطفولة مع حاضرٍ يتشكل عبر السوشال ميديا.
أسماء على الخارطة
لم يقتصر الحضور على الأصيل والحلبي، الإعلامي وصانع المحتوى ماجد العجلاني كان بين المدعوين، مقدماً تغطية مباشرة للأجنحة، كما حضرت الإعلامية سالي درمش، التي ركزت على جناح وزارة الثقافة، ووفرت عبر منصاتها محتوى يدمج بين التوثيق والمعلومة.
هذه الأسماء وسواها شكّلت فسيفساء من الأصوات التي تنقل للداخل والخارج صورة أكثر ثراءً عن الفعالية.
في خضم جولتها، ورغم أنها لم تتمكن من لقاء يمنى الحلبي كما خططت، أدلت نور في تصريح مقتضب لصحيفة الثورة قالت فيه: “صحيح أنّني لم أظفر بلقاء يمنى الحلبي كما كنت أرجو، غير أنّني وجدت في المعرض وجهاً جديداً وحقيقياً لسورية، وجهاً يفيض بالمشاركات الدولية ويزدحم بالحضور، فيغدو أشبه بمرآة تعكس طموح الشباب وأحلامهم”.
هذا الاقتباس يوضح جوهر التجربة، فالمعرض لم يعد مجرد فضاء تجاري، بل فضاء اجتماعي تتداخل فيه حياة المؤثرين مع حياة جمهورهم، ليصبح اللقاء المباشر امتداداً طبيعياً لعالم المنصات.
قيمة اجتماعية واقتصادية
من زاوية اقتصادية، المؤثرون يحققون للمعرض ما تصعب الحملات الإعلانية وحدها على فعله: الوصول إلى شريحة شابة واسعة، وبناء صورة “حديثة” ومتفاعلة، ومن الناحية الاجتماعية، وجودهم يعزز الإحساس أن المعرض مساحة لقاء ومشاركة، لا مجرد صفقات تجارية أو خطابات رسمية، كل صورة سيلفي مع زائر أو فيديو قصير على منصات التواصل الاجتماعي يتحول إلى بطاقة دعوة مفتوحة للآخرين للحضور.
مع انتهاء الأيام الأولى للمعرض، بدا واضحاً أن المؤثرين لم يعودوا مجرد ظاهرة عابرة، إنهم جزء من المعادلة الجديدة التي تحكم علاقة السوريين بفضائهم العام: وجوه شبابية، محتوى قصير، لقاء مباشر، وتأثير حقيقي يتجاوز المنصة إلى الأرض. وبينما تخرج نور من المعرض وقد حملت صورة جديدة في هاتفها، تخرج دمشق بصورة جديدة أيضاً: صورة مدينة لا تزال قادرة على جمع شبابها حول قصصهم الصغيرة، وصانعي محتواهم، وذكرياتهم التي تتحول يوماً بعد يوم إلى مستقبل.