الثورة – رانيا حكمت صقر:
في ظلال الشعر ينبعث نور جديد، يحمل حكايات الذات والمجتمع، فتقارب الكلمات بين الواقع والعاطفة لتخلق مساحة رحبة للتجربة الإنسانية.. الشاعرة هناء داوودي تصدر ديوانها الشعري السادس بعنوان “تمائم الضوء”، مجموعة غنية بتجليات المشاعر وأصوات الأمل التي تتقاطع بين خصوصيات الذات وجراح الوطن، فتجسد طفرة معرفية وفنية تستحق الوقوف عندها.
يضم ديوان “تمائم الضوء” اثنين وخمسين نصاً شعرياً وجدانياً من القطع المتوسط يُبرز حيوية الموضوعات وتناوب الأصوات بين ما يظهر ظاهراً وبين ما يُلمس بين السطور.
من العناوين البارزة التي تضمّنها الديوان: “أنين الرؤى”، “حنين يغفو المعنى”، “غفران”، “أنا السوري”، “لعنة الانتظار”، وغيرها، تعكس تنوع وحساسية النصوص التي تنتقل بين الذات والواقع بحالة صدق متجددة.
تحدثت هناء داوودي لصحيفة الثورة عن طبيعة هذا الديوان، معتبرة أن النصوص هي حالات شعورية متفرقة لكنها تتوحد عند حقيقة الإحساس وعمقه، مشيرة إلى أنها لا تحصر عملها ضمن حدود أو قوالب ثابتة، فالمشاعر حريّة الطيران وكتابة الشعر جوهرها هذه الحرية التي تتجاوز التصنيفات، وأوضحت داوودي أن كل منجز أدبي جديد يشكل نضوجاً معرفياً وتجربة مهمة تتطلب التعايش معها.
حول مرحلة ما بعد التحرير، عبّرت الشاعرة عن آمال كبيرة تطمح لتحقيقها، مؤكدة خروج الناس من دائرة الإحباط نحو آفاق جديدة مليئة بالفعل والطموح بغدٍ أفضل، ينتظرهم في دواوين مقبلة.
وعن قصيدتها “في حضرة الشآم”، أشارت إلى شغف عميق وحب متجذر لكل تفاصيل مدينة الشام التاريخية من أصغرها لأعلاها، مفسحة المجال لعاطفة خصبة في ديوانها تجسدها بأبيات شعرية مؤثرة:
“أُحِبُّكِ
كَحَقِيقَةٍ لَا تُلْمَسُ،
كَضَوْءٍ يَشْتَعِلُ فِي القَلْبِ وَالظِّلِّ مَعاً،
كَكُلِّ الأَسْئِلَةِ الَّتِي لَا تُطْرَحُ،
وَكُلِّ الأَجْوِبَةِ الَّتِي لَا تُقَالُ”.
أحبك شآم
أما النص “لن تنسى”، فيسلط الضوء على قوة الأنثى وثباتها رغم كل ضعف، وهو نص يفيض بالثقة والصلابة حتى في لحظات الأوجاع والخيبات، مؤكداً على ما يختزنه الذاكرة من حضورها الدائم.
ستذكرها
كلما لازمَكَ الأرقُ
كلما وبخَكَ السؤالُ كلما حاولتَ مرةً النجاةَ
فكان ضرباً من محالٍ
تباعاً تُسقطُ أوراقَ الأمسِ
تجرُّ قلبَكَ وهناً
على وهنٍ
تمضي في غيرِ
ذي حبٍ
ولن تنسى
في نص “المسافة صفر”، تنتقل الشاعرة إلى غزة، وهي تعبير عن الحزن والقهر العميقين تجاه الأحداث التي تشهدها، إذ تغلف الكلمات صور الوجع والدمار، وتحمل تناقضات الألم والحق، معبرة عن أمل في النصر واليقظة رغم كل المحن: فجرٌ ضاقَ بنورهِ
ليلٌ باليأسِ أمسى
في رؤاهم وهمٌ
يلطخُ وجهَ الحقيقةِ
لكن الحقَّ في قيامتهِ
من الهذامِ أمضى
كم شهيداً لقي المنيةَ
كم طفلاً قد تيتمَ
كم أماً اغتالَها الصبرُ
لو أن الشرَ يمضي لرمادهِ
لو الضميرُ شمّرَ عن ساعدٍ
ما كانَ هذا القلبُ تلظى
وتجدر الإشارة إلى أن هناء داوودي شاعرة الياسمين، عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وجمعية الشعر، وتملك في مسيرتها خمسة دواوين سابقة من بينها: “ترانيم الياسمين”، “أنثى المطر”، “وشاية عطر”، “نواقيس الأماني”، و”هنائيات”.
تميزت كتاباتها ببصمة شخصية واضحة وصدى عميق لوطنها سوريا وأوجاعه وآماله.