الثورة- حسين صقر:
مع الانتشار الواسع لوسائل الإعلام و الاتصال، والذي سيطر على العقول والعواطف معاً، بتنا أحوج للرجوع إلى محاكمة الذات لنسألها أين بنا ماضية. وكما هو معروف كل تقدم أو نجاح يحتاج إلى عوامل مساعدة، لكن أن تطغى تلك العوامل، سوف يصبح ذلك ضرباً من الفوضى. وفي هذا سأل أحدهم صديقاً له، ماذا نفعل إذا سيطر الحاسب والرائي على عقولنا وأذهاننا، أجابه نسحب القابس من المقبس فينقطع التيار الكهربائي وأي طاقة بديلة عنهما، لكن الأمر طبعاً ليس بهذه السهولة، حيث كل تطور تقني له حاجته و سلاح ذو حدين.. أول حدّ: إيجابي بما يقدمه للمجتمع من تطور وما يتركه من أثر إيجابي، والثاني سلبي بكل ما للكلمة من معنى لأنه قد يطغى على سلوك الشخص ويحدد له طريقة التعامل مع الآخرين، بمعنى أنه يطغى على حياته اليومية.
وللتوسع في هذا الموضوع أكد المرشد الاجتماعي جميل تمو في لقاء لصحيفة الثورة أن وسائل الاتصال وتطبيقاتها والسوشال ميديا على اختلاف أنواعها سيطرت بشكل كبير على لحظات السعادة والأوقات التي يفترض أن نخصصها للراحة والعائلة والواجبات الاجتماعية، وأضاف عندما كنا صغاراً، وقبل انتشار تلك الوسائل والأجهزة، كانت تسحرنا حكايا الجدات والأهل أثناء اللقاءات والسهرات في الصيف والشتاء ونغفو على نبرات أصواتهم وحنيتهم، ورأفتهم.وأضاف، ولكن ما لبثت أن انتهت تلك الحكايا التي حملت في طياتها العظات والعبر وأطيب الأثر مع ظهور تقنية التلفاز، ودخوله كل بيت وانشغل الجميع به، وبتنا نترك المنزل لزيارة من هم يقتنونه، ومن ثم أصبح هو المربي والموجه وحلّ محلّ تلك الحكايا الجميلة والمؤثرة، والتي حفزتنا على فهم الواقع ومن حولنا.
لم تبق على حالها
ونوه المرشد الاجتماعي أن برامج الرائي لم تبق على حالها، بل تطورت كثيراً، ثم جاءت الأقمار الصناعية، ثم الشبكة العنكبوتية ومع تطوره المتصاعد والمتسارع، تطورت طرق استلابه لنا واستحواذه على عقولنا وقلوبنا، وأصبحنا مدمنين عليه لا نعرف كيف نقاوم مغرياته وتنوع عروضه المعروفة للجميع.
ولم يبق الأمر محصوراً عند هذا الحد، حيث جاءت تقنية الأقمار الصناعية، وبات الانتشار عالمياً، وأصبحت حالة التعرض لبرامج مختلفة، منها ما لم يتواءم مع عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا، ومنها ما أضاف إلى حياتنا الكثير وفتح أعيننا على أمور حققت بعض الفائدة كالاطلاع على تقنيات وإنجازات الدول العمرانية والزراعية والمالية والتجارية، حيث كل تقنية جديدة تحمل معها مجتمعها الذي تريده وما يكاد يستقر حتى قفزة جديدة.
تنوع واختلاف
وقال تمو: لم يتوقف الموضوع عند هذا الحد، لأن الهاتف النقال حل محل كل تلك التقنيات واجتمعت فيه، بالإضافة لتطبيقات سرقت لحظات الفرح والسعادة من داخلنا، وبتتا في مجتمع تسوده حالات ومتغيرات لن نستفيد منها كلياً، ولم نخسر بشكل مطلق، لكن المؤكد أن ظاهرة استلاب واضحة للقيم والعادات والتقاليد الأصيلة التي يجب ألا تغيب عنا مع كل ما يجري، وبات الهاتف جزءاً لايتجزأ ورفيقنا إلى طاولة الطعام والشراب وجلسات النقاش والمناسبات وحتى إلى “أماكن، لامجال لذكرها، في وقت وجب علينا أن نحافظ على إنسانيتنا التي هي أثمن وأغلى ما في الوجود.. وأشار إلى أنه من عالم الفضاء الأزرق نقتطف قول أحدهم: عندما جاء التلفزيون إلى بيتي نسيت كيف أقرأ الكتب، وعندما جاءت السيارة إلى باب بيتي نسيت كيف أمشي، و عندما صار عندي موبايل نسيت كيف أكتب رسائل على الورق، وكيف أحسب، و عندما صار عندي كمبيوتر نسيت كيف أهجئ الكلمات، وعندما وعندما وعندما. واستطرد تمو بالاقتباس قائلاً طغت تلك الوسائل على كل شيء، بدءاً من التعامل مع البنك ونسيان قيمة المال، وأصبحنا جلوساً لننسى قيمة المشي الركض وكيفية التوقف، وأخيراً عندما صار عند الإنسان «واتساب» نسي كيف يزور أهله وأصدقاءه، حتى في المناسبات كنا نذهب لدعوة هؤلاء أو معايدتهم، ولكن اليوم اكتفينا برسائل تلك التطبيقات، واختزلنا التفاعل الاجتماعي وغدونا نسخة واحدة، حتى مع عمليات التحويل، نرسل الصورة نفسها نعيد توجيه بطاقة المعايدة ألف مرة، وبشكل آلي ويظهر في أعلاها جملة تقول: معاد توجيهها.
وختم المرشد الاجتماعي متسائلاً، تُرى هل سيأتي وقت يظهر كم مرة وجهناها ومن فعل ذلك؟!، وأوضح في عالم التطور التقني لا شيء مستبعد، وعلينا أن نتوقع كل شيء، ومن أي أحد.