الثورة – منال السماك:
في الزمن الصعب لا مكان للاتكاليين، فالاعتماد على النفس والقدرة على التحمل و التأقلم مع شتى أنواع الظروف الحياتية، ضروري جداً للاستمرار و عامل مهم للنجاح ، كما أن التعود على خدمة النفس، والتدريب العملي على اتخاذ القرارات الشخصية، استراتيجيات هامة للتربية و التنشئة الوالدين، وهنا على الوالدين اتخاذ القرار المصيري بشان الأبناء، و ذلك لتحديد طرق التربية الواجب عليهما اتباعها، هل نريد أبناء اتكاليين بكل شؤونهم الحياتية، أم أبناء يعتمدون على أنفسهم و لهم شخصيتهم المستقلة ؟..
نسمع من هنا شكوى و نلمح من هناك امتعاضاً من قبل الأهل، وغالباً ما يلقى هؤلاء الأبناء انتقاداً من قبل المحيط الاجتماعي، فها هم اصبحوا صبايا وشباناً، اعتادوا الاتكالية و نشؤوا على عدم تحمل المسؤولية، الاعتماء على الأهل جزء لا يتجزأ من يومياتهم الحياتية، انتظار الخدمة والعون و المساعدة من الآخرين، بات سلوكاً راسخاً اعتادوه كنوع من الرعاية الزائدة والحماية الفائقة و الدلال المبالغ به.
اتكالية وعدم تحمل مسؤولية
الآن بعد أن شب أبناء السيدة ميسون أحست بأنها ارتكبت خطأ بتربية أبنائها، تقول: كنت حريصة جداً على راحتهم، فكل طلباتهم تصلهم دون ان يبذلوا جهداً، و لكن مع مرور الوقت أحسست بالإرهاق والتعب، فهم اعتادوا أني بخدمتهم، ولا يتقنون أي عمل منزلي ولا حتى يقدرون على خدمة أنفسهم.
بينما تعاني السيدة آمال من الفوضى العارمة التي تتسبب بها ابنتها ذات الثامنة عشرة في غرفتها، تقول: هي لم تعتد أن تشارك بالأعمال المنزلية، كما أنها تزيد من أعبائي بسبب اضطراري لخدمتها، وكانت حجتها الانشغال بالدراسة، ولكنها كذلك بالعطلة الصيفية ترفض خدمة نفسها، بينما تنشغل لساعات طويلة على الفيس بوك والواتس آب، وتلقي كل شي خلفها لتخرج مع صديقاتها، وهذا يشعرني بالقلق كيف ستتمكن من تحمل المسؤولية مستقبلاً.
أما السيد فرحان فقد ندم على طريقته في تربية ابنه وعلى دلاله، فقد بلغ السابعة عشرة من عمره، فشل في دراسته وترك المدرسة قبل نيل الشهادة الإعدادية، ويقضي وقته في النوم والتسلية مع أصدقائه و تضييع الوقت بلا فائدة، كما أنه يرفض تعلم مهمة تنفعه وتكفيه مادياً في المستقبل، والآن يشعر الأب بالقلق على مستقبله.
إفراط بالحماية والدلال
دون أن يقصد هؤلاء الآباء و الأمهات أنهم أسسوا أبناء معوقين نفسياً، غير قادرين على خدمة أنفسهم، أو حتى القيام بأبسط شؤونهم الخاصة، وكأنهم ضيوف، فالأم تقوم بكل شؤون خدمتهم، بينما هم منشغلون على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يلهون مع أصدقائهم، أو يغرقون بالنوم ساعات النهار و الليل، يلقون كتبهم المدرسية هنا و هناك، و يخلقون فوضى مرهقة للأم فقد اعتادوا الاتكالية، وأدمنوا التراخي و عدم المسؤولية، فطلباتهم مجابة دائماً، لا يفرقون بين الممكن والمستحيل، ولا يتقنون إلا لغة الأوامر و الطلبات، و كأنهم ضيوف في البيت، وكل ذلك نتيجة أمهات حريصات على تدليل أبنائهن، وآباء يعدونهم ليكونوا عبئاً وعالة على المجتمع.
ما سبق كان بداية حديث المرشدة النفسية شيرين أسعد و التي تابعت بالقول: الكثير من الآباء والأمهات يحرصون أشد الحرص على حماية أبنائهم، ويتفانون بخدمتهم حتى بأبسط أمورهم، ويعملون على تقديم الحلول لأبسط مشكلاتهم، ولكنهم بهذه الطريقة يحرمونهم من فرصة التعلم، و خوض التجارب لاكتساب الخبرة، و التأهل لتحمل المسؤولية.
حرمان من فرص التعلم
وتلفت أسعد إلى أن الطفل الذي تحمله والدته بشكل دائم لن يتعلم المشي، وكذلك الأبناء الذين منذ صغرهم تقدم لهم الرعاية الزائدة والحماية المبالغ بها، لدرجة يصبح الطفل غير قادر على جلب كأس الماء أو ارتداء ملابسه او إعداد طعامه وكأنه معوق، لأنه لم يتعلم القيام بهذه المهام، ومن المؤكد أن لا أحد من الأهل يتقصد أن ينشىء أبناء معوقين واتكاليين، ولكن طريقة التعامل مع الأبناء منذ ولادتهم قد تحرف مسار التربية، فيخطئ الأهل الهدف عن حسن نية، فتكون النتيجة مستقبلاً جيلاً غير ناضج اجتماعياً، يتصف بالاتكالية، واعتياد انتظار المساعدة من الغير بكل شؤونه الحياتية، ما يجعل شخصيته مهزوزة تابعة للغير وغير ناضجة.
دعوهم يختبروا الفشل لينجحوا
وأخيراً قدمت الاختصاصية نصيحة إلى الأهل مفادها: ما تزرعونه اليوم تحصدونه غداً، فتربية أطفالكم بالاعتماد على النفس، قدراً من تحمل المسؤولية مستقبلاً، فدعوهم يتعلموا، واخلقوا لهم الفرص ليكتسبوا الخبرات الحياتية، ودربوهم على القيام ببعض الأعمال المنزلية البسيطة ليخدموا أنفسهم على الأقل، في البداية ربما سيقعون أو يفشلون، ولكنهم سينهضون وينجحون.