الثورة – جهاد اصطيف:
تجوّل محافظ حلب المهندس عزام الغريب، برفقة رئيس مجلس المدينة محمد علي العزيز بين شوارع الأحياء الشرقية للمدينة، متفقدَين مشاريع تأهيل شبكات الصرف الصحي وتحسين الطرقات، ووقفا عند حديقتي الحاووظ وهنانو اللتين يجري العمل على إعادة تأهيلهما لتكونا متنفساً بيئياً واجتماعياً.
الجولة حملت معها رسائل واضحة، هناك اهتمام رسمي، وهناك خطة عمل لإعادة تأهيل البنية التحتية في هذه المناطق التي عانت كثيراً خلال السنوات الماضية.
لكن ما إن ينتهي المشهد الرسمي حتى ترتفع أصوات الأهالي بشكاوى متكررة، تكشف أن الصورة على الأرض ليست مشرقة كما يراد لها أن تبدو، فالقمامة تتكدس، والمياه تنقطع، والكهرباء شبه معدومة، فيما تسيطر الدراجات النارية والفوضى الصناعية على حياة يومية منهكة، وهكذا يظهر التباين الكبير بين لغة التصريحات وواقع المعاناة.

وعود أم خطوات جادة؟
بحسب التصريحات الرسمية، فإن خطة مجلس مدينة حلب للعام الحالي، تتضمن إعادة تأهيل البنى التحتية، بدءاً من شبكات الصرف الصحي، مروراً بالطرقات الرئيسية والفرعية، وصولاً إلى إعادة الحياة للمساحات الخضراء والحدائق العامة، وقد وصفت هذه الجولات بأنها رسالة تطمين للأهالي، مفادها أن الأحياء الشرقية لم تعد منسية.
لكن، هل تكفي إعادة تأهيل حديقتين أو ترميم بعض الطرقات لمعالجة أزمة متراكمة منذ سنوات طويلة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة كلما صدر خبر رسمي جديد.
من الناحية النظرية، لا يمكن إنكار أن مشاريع البنية التحتية تشكل حجر الأساس لأي عملية تنموية، فالصرف الصحي الجيد يقي من الأمراض، والطرقات المعبدة تسهل حركة الناس والبضائع، والحدائق العامة توفر متنفساً ضرورياً في مدينة مزدحمة، لكن المشكلة تكمن في فجوة التوقيت والحجم، فبينما يجري العمل على بعض المشاريع الصغيرة، تتراكم على السكان مشكلات يومية أعمق وأكثر إلحاحاً.

معاناة لا تنتهي
قبل أيام قليلة، وجه عدد من سكان الأحياء الشرقية رسالة مفتوحة إلى المحافظة، عبر وسائل التواصل، لم تكن الرسالة طويلة، لكنها كانت صريحة وحادة، كتبوا فيها أن شوارعهم تغرق بالقمامة، وأن الأمراض والحشرات والقوارض باتت جزءاً من حياتهم اليومية.
تحدثوا عن انقطاع المياه والكهرباء لساعات طويلة، وعن نقص واضح في عدد عمال وسيارات النظافة.
رسالتهم لم تكتف بالحديث عن الخدمات الأساسية فقط، بل تطرقت أيضاً إلى الضجيج الدائم الناتج عن الدراجات النارية التي تنتشر بشكل كبير، وإلى الفوضى العمرانية، حيث تنتشر الورشات والمحال الصناعية بين الأبنية السكنية، ما يحول حياة العائلات إلى معاناة مستمرة.
من المهم التذكير بأن الأحياء الشرقية تمثل أكثر من 60 بالمئة من مساحة مدينة حلب، أي إن معاناة سكانها لا تخص منطقة صغيرة أو هامشية، بل تخص أغلبية المدينة، إذاً، أي خلل في هذه المنطقة، ينعكس بالضرورة على صورة المدينة بأكملها.
فجوة الثقة
يقول المسؤولون: إنهم يعملون على إعادة تأهيل البنى التحتية، لكن الأهالي يريدون ترجمة هذه الوعود إلى نتائج ملموسة على حياتهم اليومية، صحيح أن هناك مشاريع قيد التنفيذ، لكن الأهالي يتساءلون: لماذا لا نلمس تحسناً حقيقياً في خدمات المياه والكهرباء؟ لماذا تتكدس القمامة في الشوارع رغم كل هذه الخطط؟.
ما يفتقده الأهالي أكثر من الخدمات نفسها هو الشفافية، فالمواطن يحتاج إلى أن يعرف جدولاً زمنياً واضحاً: متى سيحل ملف المياه؟ متى ستتراجع أزمة القمامة؟ ما المشاريع التي ستنفذ خلال الأشهر المقبلة؟ من دون هذه المعلومات، تبقى العلاقة بين المسؤول والمواطن قائمة على الشك والانتظار.
عدد من سكان حي هنانو ممن تحدثنا معهم أوضحوا أنهم في كل يوم يخرجون لرمي القمامة، يجدون أن الحاوية ممتلئة منذ أيام والروائح لا تطاق، والأطفال وكبار السن يعانون من الحساسية، ويردف هؤلاء: لا نريد حديقة جميلة فقط، نريد أولاً نظافة في الشوارع.
ناصر. ح، يعمل في القطاع الخاص، يروي معاناته مع انقطاع المياه: أدفع كل شهر مبالغ إضافية لشراء صهاريج مياه، لأن الشبكة العامة لا تكفي، راتبي لا يحتمل، لكن لاخيار أمامي، أين مشاريع المياه التي نسمع عنها؟ ابنته طالبة جامعية/ تضيف: الدراجات النارية لا تترك لنا مجالاً للراحة، أصواتها تلاحقنا حتى بعد منتصف الليل، أين الرقابة؟
هل تكفي؟
الجولات الرسمية والمشاريع المعلنة قد تشكل بداية، لكنها لن تكون كافية ما لم ترافقها خطة شاملة وطويلة الأمد تعالج جذور المشكلة، الأهالي بحاجة إلى رؤية ملموسة، بمعنى شوارع نظيفة، ومياه جارية، وكهرباء مستقرة، وهدوء في الأحياء السكنية.
أما الحدائق والمشاريع التجميلية فهي مهمة، لكنها تأتي في المرتبة الثانية بعد توفير الأساسيات، وإلا فإنها ستبقى مجرد صور تزيينية، لا تعكس حقيقة الحياة اليومية للسكان.
بين الأمل والقلق
الأحياء الشرقية في حلب اليوم تقف عند مفترق طرق، من جهة هناك مشاريع رسمية تبشر بإعادة الحياة والبنية التحتية، ومن جهة أخرى هناك واقع قاس يعيشه الأهالي كل يوم، الفجوة بين الطرفين لا تزال واسعة، لكن الأمل يبقى معقوداً على أن تتحول الوعود إلى أفعال، وأن يسمع المسؤولون صوت الشارع كما يسمعون صدى تصريحاتهم.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع المحافظة ومجلس المدينة كسب ثقة الأهالي من جديد؟
أم ستبقى الأحياء الشرقية عالقة بين صور الجولات الميدانية وصرخات الاستغاثة اليومية؟