قانون الخدمة المدنية الجديد.. خطوة حاسمة نحو بناء إدارة كفوءة

الثورة – هنادة سمير:

أنهت اللجنة المكلفة صياغة مشروع قانون الخدمة المدنية اجتماعاتها لتضع اللمسات النهائية على نص طال انتظاره من قبل العاملين والجهات الحكومية على حد سواء، وبينما يُرسل المشروع إلى الوزارات والهيئات العامة لتلقي الملاحظات، ومن ثم يتم عقد ندوة حوارية موسعة لمناقشته، يبدو أن سوريا تقف على أعتاب تحول إداري كبير قد يعيد رسم ملامح الوظيفة العامة لعقود مقبلة.

من قانون العاملين إلى الخدمة المدنية

منذ صدور قانون العاملين الأساسي لعام 2004، ظل هذا التشريع المرجعية الأولى في إدارة شؤون الموظفين الحكوميين، لكن مرور أكثر من عقدين كشف عن ثغراته الكبيرة التي تتلخص بحسب مختصين في جمود نصوصه أمام التطورات الاقتصادية والاجتماعية، ضعف آليات التوظيف التي لم تمنح فرصاً عادلة للكفاءات، قصور في تنظيم الأجور والتعويضات بما يواكب التضخم وتغير الظروف المعيشية، غياب أدوات حديثة لإدارة الأداء وتطوير بيئة العمل، هذه الثغرات جعلت من القانون عبئاً على الجهاز الإداري بدلاً من أن يكون أداة تطوير، وهو ما دفع وزارة التنمية الإدارية لإطلاق عملية إصلاحية انتهت اليوم بإنجاز مشروع قانون الخدمة المدنية.

الرؤية والأهداف

وزير التنمية الإدارية محمد حسان السكاف في تصريح إعلامي، وصف المشروع أنه ثمرة عمل متواصل بدأ من تطوير الوثيقة الإطارية وصولاً إلى المسودة النهائية، مؤكداً أنه راعى الممارسات الإدارية الحديثة واستند إلى مساهمات أكاديميين وخبراء قانونيين ونقابيين إلى جانب ممثلي الجهات العامة.
وشدد السكاف أيضاً على أن القانون الجديد لا ينظر إلى الوظيفة العامة كوظيفة تقليدية، بل كـ”مسؤولية وفرصة للتطور المستمر”، في إشارة واضحة إلى تغيير الثقافة السائدة داخل مؤسسات الدولة.

من جانبه أوضح ممثل مجلس الدولة في اللجنة المستشار إبراهيم الحسن، أن المشروع يعالج الثغرات التي عانى منها الموظفون بموجب القانون السابق، ولاسيما في مجال الأجور وآليات الالتحاق بالعمل، مضيفاً: إنه يتضمن أحكاماً جديدة تتعلق بـ”التقاعد المبكر وتحسين بيئة العمل”، وهي قضايا طالما اعتُبرت حساسة بالنسبة للموظفين.

أما ممثل الاتحاد العام لنقابات العمال، طلال حسين العليوي، فقد لفت إلى أن المشروع “يلبّي مطالب العمال” من حيث التعويضات والحوافز، ويضع آلية لتعديل الرواتب وفق الظروف المعيشية، مع تعزيز الضمانات ضد التسريح التعسفي. هذه النقطة على وجه الخصوص تعد استجابة لمخاوف طالما شغلت أذهان الموظفين، خصوصاً في ظل التحولات الاقتصادية بعد التحرير.

وفي السياق نفسه، وصف عميد المعهد الوطني للإدارة العامة وعضو اللجنة عبد الحميد الخليل، المشروع أنه “عصري”، موضحاً أنه يستفيد من التجارب المقارنة مع قوانين الخدمة المدنية في دول أخرى، ويركز على استثمار الكفاءات وجعل القطاع العام بيئة جاذبة للمواهب بدلاً من أن يكون ملاذاً اضطرارياً للباحثين عن عمل.

إصلاح مؤسسي لا مجرد تعديل

الباحث في الإدارة العامة عماد منصور بين في حديثه لـ”الثورة” أن القراءة المتأنية لبنود المشروع وتصريحات القائمين عليه تكشف أن الهدف يتجاوز تعديل نصوص قانونية إلى إصلاح مؤسسي شامل، فالقانون الجديد يسعى إلى بناء جهاز حكومي أكثر كفاءة وفاعلية، وتكريس مبدأ العدالة الوظيفية بين العاملين، وربط الترقيات والحوافز بمعايير الأداء لا الأقدمية فقط، إضافة إلى خلق ثقافة مؤسسية تحفز على الالتزام والابتكار.

ورأى منصور أن هذا التحول يعكس فهماً متزايداً أن إعادة بناء سوريا بعد التحرير لا يمكن أن تتحقق من دون جهاز إداري حديث قادر على تقديم خدمات عامة نوعية.

في العديد من الدول التي مرت بتحولات سياسية أو اقتصادية جذرية مثل تونس بعد 2011 أو دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي شكّل إصلاح الخدمة المدنية بوابة رئيسة لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، ففي تونس مثلاً، جرى تعديل قوانين الوظيفة العمومية لإدخال معايير الشفافية والمساءلة.

وفي بولندا، تم ربط الرواتب بأداء الموظف بعد إصلاح الخدمة المدنية في التسعينيات، ما ساهم في رفع كفاءة الإدارة.

ويشير منصور أن المشروع السوري، كما يبدو من خطوطه العريضة، يستفيد من هذه التجارب، مع مراعاة خصوصية السياق المحلي من حيث التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

الرهانات والتحديات

ويتابع: رغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بإعلان إنجاز النسخة النهائية، تبقى هناك تحديات حقيقية قد تواجه تطبيق القانون منها التمويل فأي تحسين للأجور والتعويضات يحتاج إلى موارد مالية مستدامة، وهناك مقاومة البيروقراطية فبعض الإدارات قد تُبدي مقاومة للتغيير، خاصة مع إدخال آليات جديدة لتقييم الأداء، كما أن نجاح القانون مرهون بمدى قدرة الوزارات على تطبيقه بجدية لا أن يظل حبراً على ورق وترسيخ ثقافة الخدمة العامة كمسؤولية يتطلب أيضاً وعياً من الموظفين أنفسهم والمواطنين.

بالنسبة للموظفين، يشكل القانون بارقة أمل لتحسين ظروف العمل وتعزيز الحماية الوظيفية، أما بالنسبة للمجتمع ككل، فإن نجاحه يعني جهازاً حكومياً أكثر انضباطاً وفاعلية، وهو ما ينعكس في النهاية على جودة الخدمات العامة من صحة وتعليم ونقل وغيرها، كما أن إنجازه يشكل بداية مرحلة جديدة من الإصلاح الإداري ويفتح الباب أمام إصلاحات أوسع.

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة في عيون الإعلام الغربي   الشرع يطرح هذه الملفات على طاولة  ترامب في "البيت الأبيض"  الجهاز المركزي يطور أدوات جديدة لكشف الاحتيال   من واشنطن الشيباني يبشّر السوريين: 2026 عام الانقلاب الكبير! الشرع يلتقي ممثلي المنظمات السورية الأميركية.. ودمشق وواشنطن نحو الشراكة الكاملة  وزيرا سياحة سوريا والسعودية يبحثان آفاقاً جديدة للتعاون كواليس إصدار القرار "2799".. أميركا قادت حملة دبلوماسية سريعة قبيل زيارة الرئيس الشرع الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض بشكل غير متوقع إنشودة الوفاء من مدينة الأنوار إلى دمشق الشآم سوريا تشارك في الجلسة الافتتاحية لمجموعة 77 + الصين في البرازيل إغلاق باب التقسيم: كيف تترجم زيارة الشرع لانتصار مشروع الدولة على الميليشيات؟ الأطباء البيطريون باللاذقية يطالبون بزيادة طبيعة العمل ودعم المربين ملتقى "سيربترو 2025".. الثلاثاء القادم صفحة جديدة في واشنطن: كيف تحوّلت سوريا من "دولة منبوذة" إلى "شريك إقليمي"؟ مكافحة الترهل الإداري على طاولة التنمية في ريف دمشق من "البيت الأبيض": أبرز مكاسب زيارة الشرع ضمن لعبة التوازن السورية ترميم مستشفى درعا الوطني متواصل.. وإحداث قسم للقسطرة القلبية تبادل الفرص الاستثمارية بين سوريا والإمارات الشرع في واشنطن.. وغداً يلتقي ترامب في البيت الأبيض بين غلاء الكهرباء و الظلام..ماذا ينتظر السوريون في الأيام القادمة؟