شاشةٌ أضاءت ووجوه غابت.. ماذا خسرَت تظاهرة “أفلام الثورة”؟

الثورة – حسين روماني:

هناك لحظة في قاعة السينما تشبه اللقاء الحميمي، يخرج الضوء من جهاز العرض، وتلتفت العيون نحو الشاشة، ثم يبدأ الجمهور بالبحث، ليس فقط عن الحكاية داخل الفيلم، بل عن صاحبها خلف الكواليس.. في تظاهرة “أفلام الثورة السورية”، أضيئت الشاشات، لكنّ الكراسي المخصّصة للمخرجين وصنّاع الأفلام ظلّت فارغة، وكأنّ الصور جاءت يتيمة، بلا من يروي سرَّها.

أفلام تعود من ذاكرة العقد

تنوّعت الأعمال المعروضة بين روائية ووثائقية وقصيرة: من “نزوح” لسؤدد كعدان الذي حمل حكاية التهجير بلغة بصرية آسرة، إلى “العودة إلى حمص” لطلال ديركي، الوثيقة الحيّة لمدينةٍ كانت قلب الثورة ووجعها، كما حضرت عناوين وثائقية وتجريبية مثل “صعود أطفال سوريين إلى السماء” و”قتل معلن” و”قضية الغرباء”.هذه الأفلام وُلدت في سياقات مختلفة: بعضها وُجِد في بدايات الثورة، مسجّلاً لحظات الغضب الأولى، وبعضها جاء لاحقاً ليحمل قراءة أكثر هدوءاً وتأملاً، وبين قديم وحديث، اجتمعت كلها مجدداً في دمشق، حيث الجمهور الذي صُنعت له منذ البداية.

السؤال الذي بقي معلقاً

ما قيمة عودة هذه الأفلام إن غاب أصحابها؟ قد نقول: إن الظروف شتّتت المخرجين بين المنافي، أو إن العروض جاءت بأفلام قديمة لم يعد حضور صانعيها ممكناً، لكنّ الحقيقة أبسط وأعمق، السينما لا تكتمل دون لقاء حيّ بين العمل ومُنتجه، الشاشة وحدها لا تكفي، والصورة من دون صاحبها تشبه الرسالة التي وصلت بلا موقّع.

الناقد الفني محمد مجدي نظر إلى المسألة بعينٍ مزدوجة، تفهّمٌ للظروف، وعتبٌ لا يخلو من المحبة، قال: “أدرك أن هذه الأفلام صُوّرت في سنوات مختلفة، وربما شاهدها كثيرون على يوتيوب أو منصات أخرى، لكن ذلك لا يُعَدّ عذراً أمام غياب المخرج عن جمهوره، هذه الأعمال صُنعت أولاً للجمهور السوري، وهذا الجمهور يستحق أن يرى أصحابها ويستمع إليهم مباشرة”.

كلمات مجدي لم تكن عتاباً بقدر ما كانت دعوة صادقة، الأفلام ليست مجرّد صور مؤرشفة، بل تجربة إنسانية تحتاج إلى مَن يشرحها، يضعها في سياقها، ويكشف أسرارها الصغيرة.

أثر الغياب على المشهد

الفراغ الذي تركه المخرجون في القاعات انعكس على النقاشات التي بقيت سطحية، لم تُطرح الأسئلة الصعبة، لماذا هذه الزاوية تحديداً؟ كيف صُوّرت تلك اللقطة؟ وأيّ ظروف إنتاج سمحت أو منعت؟ الجمهور كان عطِشاً لمثل هذه الحوارات، لكن غياب أصحاب التجربة جعل اللقاء ناقصاً.

السينما السورية اليوم بحاجة ماسّة إلى هذه الجسور، لأنها وحدها تعيد بناء ثقةٍ بين صنّاع الفيلم وجمهوره المحلي. في الخارج، حين تُعرض أفلام الثورة السورية في مهرجانات برلين، أو كان، أو فينيسيا، يأتي التلقي غالباً من زاوية سياسية أو حقوقية، يصفق الجمهور للتوثيق ولشجاعة الكاميرا، لكن في الداخل السوري بمحافظاته، المشاهد هو جزء من الحكاية، يرى نفسه أو جاره أو شارعه على الشاشة. هذا القرب يجعل اللقاء أكثر حساسية، ويضاعف مسؤولية المخرج في أن يكون حاضراً، فالجمهور السوري لا يريد فقط أن يشاهد، بل أن يسأل، أن يحاور، أن يعرف لماذا اختار المخرج لقطة معينة وتجاهل أخرى، وهنا يصبح حضور صاحب العمل ليس ترفاً، بل شرطٌ أصيل.

بين الحلم والواقع

السينما السورية، بعد أكثر من عقد من الحرب، تحتاج إلى فضاءات صادقة تُعيد بناء الثقة بين الصورة والجمهور، التظاهرة الأخيرة كانت يمكن أن تكون تلك المساحة، لكنها توقفت عند حدود العرض الرسمي، المهرجانات في العالم ليست مجرد شاشات، بل منتديات للنقاش والتبادل.

وعندما يغيب هذا البُعد، نخسر فرصة تأسيس تقليد سينمائي حقيقي في الداخل، حين انطفأت الأضواء وخرج الناس من القاعة، بقي في الأذهان سؤال واحد: هل تكفي الصور وحدها؟ الجواب، في رأيي كصحفي عايش مسار السينما السورية طويلاً، هو لا، الفيلم لا يعيش إلا حين يلتقي بجمهوره، والمخرج جزء من هذا اللقاء، إن كانت التظاهرة قد نجحت في إعادة الأفلام إلى الشاشة، فإنها أخفقت في أهم شرط للسينما، أن تكون حياةً حيّة، يتنفسها الناس مع صانعيها، لا صوراً صامتة على جدار.

آخر الأخبار
إغلاق فتحات المرور المخالفة على اتوتستراد دمشق- درعا الزراعة السورية.. مريض في غرفة الإنعاش بلا علاج حلب تكرم المتفوقين في الشهادتين الإعدادية والثانوية اليوم الدولي للسلام: غوتيريش يدعو لوقف الحروب وبناء الجسور عام دراسي جديد.. بين المناهج وتحديات المعيشة زيارة الرئيس الشرع لأميركا.. بين الانفتاح والثوابت الشرع إلى الولايات المتحدة للمشاركة بأعمال الجمعية العامة 800 عامل متعاقد في "مياه الحسكة" يطالبون بتجديد عقودهم أسواق جبلة.. حركة نشطة وضبوط مخالفة بمناسبة اليوم العالمي للسلام "شموع لأجل السلام" في اللاذقية سوريا ستكون حاضرة في اللقاء المحتمل بين ترامب وأردوغان أجراس العودة تدق في 12 ألف مدرسة  الماشية تموت بصمت بدرعا.. مربون عاجزين وأعلاف باهظة تأهيل خط كهرباء "غزالة - الكوم" المغذّي للسويداء عبر درعا مفوضية اللاجئين تجدد دعوتها لتعزيز الدعم الدولي لسوريا وزارة الدفاع: "قسد" استهدفت قرية أم تينة لاتهام الجيش دير الزور تعود إلى الحياة.. والأهالي يطالبون الحكومة باهتمام أكبر سوريا تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار.. فماذا عن إسرائيل؟ شباب اليوم .. ضياع في الهوية وغياب في سوق العمل  815 جهاز إنارة بالطاقة الشمسية لدير الزور