الثورة- علي إسماعيل:
عقود من العزلة والقطيعة حالت بين سورية والمجتمع الدولي بدأت تتلاشى بشكل عملي منذ اليوم الأول للتحرير، لتتوجها اليوم زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية.
في معايير الأحداث السياسية، لا تُقرأ هذه الزيارة على أنها مجرد زيارة لرئيس دولة ما إلى دولة أخرى، ولا تصنف بين الرسمية وغير الرسمية، أو الطارئة والعادية، وإنما تأتي كنقلة نوعية في تاريخ العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، بل بين سوريا والعالم أجمع، لأن واشنطن بكل بساطة مفتاح أبواب الدبلوماسية الدولية، ورسالة واضحة بأن سوريا لاعب رئيسي في رسم ملامح المستقبل إقليمياً ودولياً.
الزيارة استراتيجية بحسب ما وصفتها وسائل الإعلام العالمية، خاصة أن برنامجها وبروتوكولاتها تعطي الطابع المطلوب لها دولياً، فلقاءات الرئيس الشرع مع كبار مسؤولي العالم، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، تمثل تغيّراً جذرياً في معادلة العلاقات الدولية مع سوريا، فهي تنتقل من موقع تنتظر فيه القرارات الدولية وما يرشح من مراكز وعواصم صنع القرار العالمي حولها، إلى موقع الشريك الذي يقرر في صناعة واقتراح الحلول.
الزيارة سبقتها نتائج كبيرة حققتها الدبلوماسية السورية من خلال زيارة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى واشنطن، والتي تمثلت بإعادة فتح السفارة السورية في العاصمة الأميركية، بعد 12 عاماً من الإغلاق إيذاناً بعودة الحوار المباشر مع المؤسسات الدولية، والقدرة على حضور المؤتمرات، ومتابعة القرارات الأممية، وإيصال صوت سوريا إلى المنابر الدولية بشكل واضح ومستقل.
كما جاء قرار الأمين العام للأمم المتحدة بنقل مكتب المبعوث الخاص بسوريا من جنيف إلى دمشق، دفعة إضافية لترسيخ ثقة المجتمع الدولي بقدرة سوريا قيادة ومؤسسات على إدارة ملفاتها الداخلية، بما يؤكد أن الحلول المستدامة تبدأ من سوريا.
وبما أن لكل حدث سياسي تحديات، فإن العلاقة مع إسرائيل تبرز كإحدى أبرز التحديات، إلا أن الحنكة السياسية السورية تدرك حساسية الملف، واستبقت أي طرح بتصريحات أكدت خلالها أنها لا تسعى حالياً إلى تطبيع سياسي شامل مع إسرائيل، بل إلى ترتيبات أمنية محددة تشبه اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، بما يضع الاستقرار والسلام في صلب الأولويات دون تفريط.
كما يأتي تحدي رفع العقوبات وما يتبعه من ملف الاقتصاد الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالانفتاح الدبلوماسي، الذي بدوره يوجه الاستثمارات الدولية للمشاريع الكبرى، وإعادة الإعمار، وبالتالي إحياء الاقتصاد، ما يعزز الآمال بالتعافي والتنمية.
خلف مشهد اللقاءات والبروتوكولات يبرز وجه سوريا الجديد، والذي يتمثل برؤية سوريا كدولة تستعيد مكانتها، وتشارك في صناعة القرار الدولي، وتحمي مصالح الشعب بوعي ومبدئية واضحة، تنطلق من المصالح الوطنية البعيدة عن الأجندات الخارجية والاصطفافات الإقليمية، كل ذلك من مشاهد ترسخ الحضور والسيادة.
زيارة الرئيس الشرع ليست مجرد حدث عابر، بل بداية عملية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي، وتحويل الأزمات إلى فرص، فالاجتماعات المرتقبة، وكلمة سوريا المنتظرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تؤكد أن سوريا تسعى إلى إعادة صياغة حضورها الدولي، كقوة مسؤولة قادرة على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول، تلتقي فيها السيادة بالفرص، والانفتاح بالثوابت الوطنية.