الثورة- منذر عيد :
مع انطلاق أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، شدّت زيارة الرئيس أحمد الشرع أنظارالمراقبين ووسائل الإعلام العالمية، باعتبارها أول حضور سوري بهذا المستوى منذ أكثر من نصف قرن (آخر زيارة موثّقة لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة، في حزيران 1967، حين شارك نور الدين الأتاسي في دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك وألقى كلمة هناك، وذلك بعد حرب حزيران المعروفة بـ”نكسة 67″)، ورغم أن المناسبة تحمل طابعاً بروتوكولياً، إلا أن أجواء الزيارة وما يرافقها من تسريبات ولقاءات مرتقبة، تعكس أن ما يجري أبعد بكثير من مجرد مشاركة تقليدية في حدث أممي.
الظهور العلني للرئيس الشرع على منبر الأمم المتحدة ليس حدثاً عادياً، إنه عودة سياسية ودبلوماسية لدولة جرى تهميشها طويلاً في الساحة الدولية، هذا الحضور بحد ذاته يبعث رسالة مزدوجة، أولاً، أن سوريا تسعى لكسر طوق العزلة الذي فُرض عليها لعقود، وإنها لم تعد طرفاً معزولاً، بل فاعلاً تسعى لإعادة التموضع ضمن النظام الدولي، ثانياً، أن المجتمع الدولي، أو على الأقل جزءاً مؤثراً منه، بات مستعداً للتعامل مع دمشق من موقع مختلف.
إن إلقاء الرئيس الشرع كلمة أمام قادة العالم، لا يمثل سوريا فحسب، بل يستعيد أيضاً حضورها في معادلات الإقليم والعالم، في لحظة سياسية دولية متحركة، حيث يبحث الجميع عن توازنات جديدة.
بعيدا عن المظاهر الاحتفالية، تحمل الزيارة ملفات حساسة لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي الراهن، مثل العقوبات المفروضة على سوريا، والتي شكلت عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد والمجتمع، حيث أن الزيارة تمثل بداية اختبار لإمكانية فتح مسار تفاوضي يخفف من وطأتها، إضافة إلى البحث في الترتيبات الإقليمية الجديدة، حيث أن دمشق معنية بإعادة صياغة مقاربتها، خصوصاً في ظل تغير موازين القوى في المنطقة.
كما أن للزيارة أهمية كبيرة لجهة البحث في العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث أكدت شبكة “سي بي إس نيوز” الأميركية وجود ترتيبات لعقد لقاء بين الرئيس الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأمر الذي يفتح الباب أمام اختراق دبلوماسي غير مسبوق، ومثل هذا اللقاء سيكون الأول من نوعه منذ عقود، وقد يشكل منصة لإعادة تقييم العلاقات الثنائية وإزالة بعض الخطوط الحمراء التي حكمت العلاقة بين البلدين.
لا تتوقف رسائل مشاركة الرئيس الشرع في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عند العالم الخارجي، بل تحمل بعداً داخلياً أيضاً، فهي تمنح الشارع السوري انطباعاً بأن سوريا لم تعد معزولة، وأن ثمة فرصة لاستعادة مكانتها الطبيعية، الرسالة موجهة إلى الداخل بقدر ما هي موجهة إلى الخارج، لتقول إن سوريا قادرة على أن تكون طرفاً لا متلقياً فقط في صياغة التوازنات.
من المؤكد أن زيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك تمثل لحظة مفصلية في التاريخ السياسي السوري، فهي ليست مجرد عودة إلى المحافل الدولية، بل ربما بداية مسار جديد يضع سوريا أمام خيارات جديدة، وتتيح فرصاً لإعادة تعريف دورها الإقليمي والعالمي، وفي ظل هذا المشهد تبقى الأنظار معلقة على ما ستؤول إليه اللقاءات الجانبية، خصوصاً إذا ما تكللت بلقاء رئاسي سوري-أميركي قد يغير قواعد اللعبة برمتها.