الثورة – عبد الحميد غانم:
في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ أكثر من نصف قرن، وصل الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وشملت أجندته لقاءً مع وفد من أبناء الجالية السورية، مما يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز دور المغتربين في عملية إعادة الإعمار في سوريا.
تحول تاريخي
ضمن هذا السياق، أكد رجل الأعمال المغترب والخبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدكتور محمد البراك، أن هذه الزيارة تكتسب رمزية خاصة، كونها الأولى لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة منذ عام 1967، مما يعكس تحولاً جذرياً في الحضور السوري على الساحة الدولية.
وقال في تصريح خاص لـ”الثورة” عبر “الواتساب”: إن لقاء الرئيس الشرع مع أبناء الجالية السورية في الولايات المتحدة يُرسل رسالة قوية، مفادها أن الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لإعادة البناء، مشدداً على أن سوريا تملك رأس مال كبير وموارد بشرية واسعة تمكّنها من النهوض وإعادة الإعمار متى ما توافرت الوحدة والخطة الواضحة.
خزان خبرات وكفاءات
وبين البراك أن الجالية السورية في الخارج، ولاسيما في أوروبا وأميركا، تمتلك رصيداً هائلاً من الكفاءات المهنية والخبرات التي يمكن أن تساهم بشكل فعّال في إعادة الإعمار، وتشير البيانات إلى أن ما يقرب من نصف السوريين الذين قدموا إلى ألمانيا بين عامي 2015 و2017 قد أنهوا دراستهم الثانوية أو الجامعية.
وأوضح أن عشرات الآلاف من السوريين يعملون في قطاعات حيوية تعاني منها سوريا حاجة ماسة، مثل الصحة والهندسة وتكنولوجيا المعلومات، على سبيل المثال، يزاول نحو 5,758 سورياً مهنة الطب في ألمانيا وحدها، إلى جانب آلاف الممرضين والمهندسين والفنيين المتخصصين، وتمتلك شركات ومؤسسات السوريين في الخارج قدرات مالية كبيرة، يمكن توجيهها نحو استثمارات منتجة في الداخل، خاصة في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُحدث أثراً سريعاً في سوق العمل.
وأشار إلى أنه يوجد في الولايات المتحدة الأميركية عشرات الآلاف من الأطباء إلى جانب آلاف ممن يمتلكون خبرات علمية كبيرة من جميع الاختصاصات يمكن أن يستفيد الوطن الأم سوريا الجديدة من تلك الخبرات.
آليات للاستفادة من الجالية
واقترح البراك، العمل على عدة أدوات وخطوات وخطط لاستقطاب واستثمار طاقات المغتربين، وذلك من خلال إنشاء هيئة وطنية للمغتربين، مهمتها التواصل المنظم مع الكفاءات السورية في الخارج، وتقديم الحوافز والضمانات اللازمة لعودتهم، أو استثمار أموالهم وخبراتهم عن بُعد، وكذلك من خلال تسهيل الإجراءات وإزالة العوائق أمام عودة المغتربين والعمل على حل الإشكاليات، والتي لا تزال تمثل عائقاً أمام العائدين.
كما اقترح عملية ربط الاستثمارات بقطاعات ذات أولوية، عبر توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع البنى التحتية الأساسية التي تعاني منها سوريا بشكل كبير، مثل إعادة تأهيل الطاقة والمياه والرعاية الصحية.
وأشار إلى أبرز القطاعات التي يمكن للجالية السورية المساهمة فيها بناءً على خبراتها، مثل: القطاع الصحي عبر عودة الأطباء والممرضين، استثمار في المستوصفات والمستشفيات سد النقص الحاد في الكوادر الطبية وتحسين الخدمات الصحية.
إضافة إلى قطاع البناء والتشييد من خلال استثمارات في إعادة إعمار المساكن والبنى التحتية معالجة أزمة السكن وتشغيل اليد العاملة المحلية، إلى جانب التقنية والاتصالات ونقل الخبرات في مجال التكنولوجيا والبرمجة والنهوض بالقطاع الرقمي وخلق فرص عمل للشباب.
تطلعات مستقبلية
رغم التفاؤل الذي تبعثه هذه الزيارة، إلا أن الطريق أمام استعادة عجلة الاقتصاد، وإعادة الإعمار- وبحسب الدكتور البراك، لا يخلو من تحديات جسام، فالتقرير الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة يشير إلى أن نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية لا يزال أكبر عقبة أمام العودة، كما أن انهيار القطاعات الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة يتطلبان حلولاً غير تقليدية.
وشدد البراك، على أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أنها تمثل أكثر من مجرد حدث دبلوماسي، إلا إنها إشارة بدء لمرحلة جديدة من التعاون الشامل، لافتاً إلى أن النجاح في استقطاب كنوز الجالية من الأموال والخبرات مرهون بتحويل خطاب الوحدة إلى خطة عمل واضحة، وتوفير البيئة الآمنة والمشجعة، مما يجعل من العودة والاستثمار خياراً مجدياً لكل سوري غيور على وطنه، لافتاً إلى أنه في هذا فقط يمكن تحويل طاقات المغتربين إلى وقود حقيقي لبناء سوريا الجديدة