الثورة – رزان أحمد:
تحت إشارات المرور، عند أبواب المساجد، وفي الأسواق المزدحمة، يمدّ متسوّلون أيديهم طلباً للمساعدة، مشاهد تتكرّر يومياً حتى تحوّلت الصورة من حالات فردية إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة، تشغل الرأي العام وتطرح تساؤلات حول أسبابها ودور الجهات الرسمية في معالجتها.

وجوه مألوفة
“لم يعد يمرّ يوم من دون أن يعترضني أحدهم في الطريق”، يقول سامر- موظف في الثلاثينيات من عمره، وهو يتحدث بامتعاض عن كثرة المتسوّلين في شوارع العاصمة، ويضيف: بعضهم يلحّ بطريقة مزعجة، وآخرون يستغلّون الأطفال أو يدّعون المرض، مما يجعل من الصعب معرفة المحتاج الحقيقي.
أما السيدة سلمى ربة منزل، فترى أن التعاطف واجب إنساني، لكن الظاهرة خرجت عن السيطرة، حتى صارت أشبه بمهنة يمارسها الكثيرون وليس البعض.
وحول أسباب الظاهرة، بين الفقر والاستغلال يبين الباحث الاجتماعي الدكتور حسام الشحاذة، أن التسوّل لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة، بل هو حصيلة عدة عوامل متشابكة، منها: الفقر والبطالة، مع ارتفاع معدلات البطالة وضعف فرص العمل، يجد البعض في التسوّل مصدر دخل يومي، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ما يزيد من معاناة الأسر الهشّة.
إضافة إلى الثغرات القانونية لناحية ضعف الرقابة والعقوبات غير الرادعة إذ يسمحان باستمرار الظاهرة.
كما نوه الشحاذة باستغلال الأطفال والنساء عبر شبكات منظّمة تدفعهم للتسوّل كوسيلة للكسب غير المشروع، وأيضاً ضعف الوعي والتعليم وقلة البدائل المتاحة وغياب برامج التوجيه إذ تجعل بعض الأفراد عالقين في دائرة التسوّل، مؤكداً أن التسوّل ليس مجرد نتيجة للفقر، بل هو انعكاس لخلل اجتماعي واقتصادي يحتاج إلى معالجة شاملة.
ورداً عن سؤالنا كيف نستطيع الحد من الظاهرة والأساليب المتخذة؟ بين أنه لابد من تفعيل القوانين، أي سنّ تشريعات تجرّم استغلال الأطفال والنساء، مع توفير بدائل، عبر دعم الأسر الفقيرة، وتوفير فرص عمل للشباب، وإيجاد مراكز إيواء وتأهيل، تهدف لإعادة دمج المتسوّلين في المجتمع من خلال برامج علاجية وتدريبية، وإقامة حملات توعية، تشدد على أن إعطاء المال بشكل مباشرة للمتسوّلين قد يغذي الظاهرة بدلاً من الحد منها، إضافة إلى التعاون مع المجتمع المدني، لتوجيه المساعدات للفئات المستحقة بطرق أكثر تنظيماً.
مسؤولية جماعية
يقول الشاب محمود. ر في هذا الإطار، نحن بحاجة لخطوات عملية، لا نريد أن تبقى الحلول مجرد شعارات، فالتشغيل والدعم المباشر هما السبيل لوقف الظاهرة.
ويؤكد بعض الناشطين المهتمين بالعمل الخيري، أن مكافحة التسوّل مسؤولية جماعية، تبدأ من الأسرة، مروراً بالحكومة، وصولاً إلى المواطن نفسه الذي يجب أن يكون واعياً في كيفية مساعدة المحتاج، فمعالجة التسوّل تعني معالجة جذور الفقر والتهميش، وهو الطريق لبناء مجتمع أكثر عدلاً.