الثورة – ابتسام هيفا:
تفاقمت ظاهرة البطالة بين أوساط الشباب السوري، وباتت تؤرقهم وتترك منعكسات سلبية على نفوسهم.. وفي إطار ذلك رصدت “الثورة” آراء وأحوال بعض المواطنين..
تقول السيدة اعتدال: إنها تغلق الباب خلفها ذاهبة إلى عملها وهي تترك في المنزل أولادها الثلاثة يغطون في نوم عميق، أعمل مدرسة منذ خمس وعشرين عاماً، وزوجي موظف، حلمي كحلم كل أم أن ترى أولادها تخرجوا من الجامعة وكل واحد في عمله، لم أتخيل يوماً أن يجلس أولادي، دانيا، وزينب، ويوسف في البيت، وكل منهم حائز على شهادة جامعية، إضافة إلى دورات الكمبيوتر واللغات التي اتبعوها، وكلفتنا مبالغ باهظة كي نؤهلهم أن يكونوا ناجحين، وحتى يثبتوا وجودهم في مجال عملهم.. ولكن تبدد الحلم واصطدم بعرض الحائط، فكل يوم أخرج لعملي أوكل لبناتي القيام بالأعمال المنزلية، وابني بتأمين بعض الحاجيات، ومصروفهم أصبح عبئاً علينا أنا ووالدهم.
أما السيدة لبنى فتحدثت بحرقة: أتمنى لو يقيلوني من عملي ويضعوا أحد أولادي عوضاً عني.
أما والدهم السيد غيث، أكد أن التفاهم مع أولاده بات أمراً صعباً، فجلوسهم في البيت كعاطلين عن العمل أثر على نفسيتهم، وأنا أهون عليهم الأمر، مع العلم أنهم لا يتوانون أبداً في البحث الدؤوب عن عمل لهم عبر الانترنت وبرنامج تشغيل الشباب.
لا أشعر بوجودي
تقول دانيا: عمري ستة وعشرون عاماً، تخرجت من الجامعة كلية التربية، قسم إرشاد نفسي، منذ ثلاث سنوات، وكلي أمل وتفاؤل أنني بعد دراسة لمدة خمس سنوات سأجد عملاً، تقدمت لمسابقة وزارة التربية ونجحت في المسابقة، ولكن لم يتم تعييني في أي مدرسة وبعد مرور سنة على نجاحي بالمسابقة فقدت فرصتي بالحصول على وظيفة.
وأضافت: عندما تم الإعلان عن وظائف على الشهادة الثانوية ضمن برنامج تشغيل الشباب لم أتوقف عن التقديم لوظائف كثيرة، وصرف مبالغ كبيرة مقابل طوابع وإخراج قيد، ولكن لم أحظ بأي فرصة، وكما يقول المثل: “رضينا بالهم والهم ما رضي فينا”، تمنيت لو كان حظي جيداً وعملت، حتى ولو عقد ثلاثة أشهر وعلى شهادة الثانوية.
وعن حالتها النفسية قالت: أشعر أن لا وجود لي في هذه الحياة، فكلنا يعرف أن عمل المرء يجعله واثقاً من نفسه ويملي عليه حياته، وأنا حياتي أصبحت مليئة بالفراغ وبانتظار فرج الله.
الزواج مستقبل الفتاة
من ناحيتها زينب، كشفت أن عمرها تجاوز ثلاثة وعشرين عاماً، وتخرجت من الجامعة في العام الفائت، تربية حديثة ومناهج، عندما رأيت ما حل بأختي وأخي وصديقاتي بعد تخرجهم من الجامعة لم يبق لي أمل بالحصول على وظيفة، فقررت أن أقضي على وقت الفراغ بشيء مفيد وقمت بالتسجيل بالجامعة الافتراضية- ترجمة، وإذا ما وجدت العريس المناسب سأتزوج وأكون عائلة تنفيذاً لوصية جدتي بأن الفتاة لو وصلت لأعلى المراتب الوظيفية مستقبلها بالزواج، وكما فعلت صديقتي التي تزوجت بعد التخرج فوراً، ويومها قالت لنا، ربما أرزق بطفل وأقوم بتربيته بعيداً عن هموم الوظيفة فهو بأمس الحاجة لي.
وفي سياق متصل أوضح يوسف، أن يكون المرء عاطلاً عن العمل يعني أن يقضي نهاره في النوم، وليله في السهر وعبث الانتظار، ومواجهة حلم تبدد.. عمري خمسة وعشرون عاماً تخرجت من كلية الحقوق منذ سنتين وأنا أنتظر الإعلان عن مسابقة، وفعلاً تقدمت لمسابقة تعيين قضاة، ولكن مع الأسف لم أحظ بالنجاح بهذه المسابقة، فطلبت من والدي مساعدتي ريثما أحظى بوظيفة مناسبة، فاستأجرت محلاً لبيع الأراكيل ومستلزماتها وتعبئة وحدات خطوط الخلوي والشغل يسير على ما يرام، فمعظم الشباب يلجؤون إلى الأركيلة للتنفيس عن همومهم وبسبب حالة الإحباط التي يعيشونها بسبب البطالة.
وأضاف: لقد تعرفت على زميلة لي في الجامعة، وبعد التخرج اتفقنا على الزواج، وهي بانتظاري حتى أجد عملاً مناسباً كي أتقدم لخطبتها، ولا أدري هل ستكون من نصيبي أم لا/ فمستقبلي مجهول وربما يتقدم لخطبتها شاب مناسب أكثر مني ويقنعها أهلها بالموافقة، وهذه مشكلة يعاني منها الكثير من الشباب.
أعاني من الاكتئاب
ولفتت سامية إلى أن عمرها ستة وثلاثون عاماً، وقد تخرجت من الجامعة في عام 2000 من كلية الآداب- أدب انكليزي، وبعد تخرجها تقدمت إلى عدة مسابقات، وقالت: لكن لسوء حظي لم أنل شرف الحصول على وظيفة، فقررت المجيء إلى دمشق ربما أحظى بفرصة عمل فانضممت لفريق أولاد أختي وهو فريق البحث عن عمل، فمنذ أن تخرجت من الجامعة إلى الآن عملت في التدريس لمدة عام دراسي واحد فقط في إحدى القرى البعيدة في محافظتي، ومن ثم عملت في إحدى الصحف بمجال الترجمة عقد لمدة ثلاثة أشهر فقط.
وأضافت: الآن أشعر أنني محبطة وأعاني من الاكتئاب، ووصلت لهذا العمر وأشعر أنني لم أجن ثمار تعبي ودراستي، حتى قطار الزواج فاتني، ويا ليتني عملت بنصيحة أمي ربما كنت أحقق أحلامي بأولادي.
الشباب والبطالة
المرشدة النفسية لمى يوسف بينت أن البطالة تحولت إلى مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لأنه جيل القوة، والطاقة، والمهارة، والخبرة، فنرى الشاب يفكر في بناء أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على نفسه، من خلال العمل والإنتاج، ولاسيما ذوي الكفاءات، والخريجين الذين أمضوا الشطر المهم من حياتهم في الدراسة والتخصص، واكتساب الخبرات العملية.
وبينت أن الإحصاءات تؤكد أنّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب، وبالتالي يعانون من الحاجة والحرمان، أو تأخرهم عن الزواج، وإنشاء الأسرة، أو عجزهم عن تحمل مسؤولية أسرهم.
وأوضحت أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية، كما لها آثارها على الصحة الجسدية، فنجد نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات، ويشعرون بالفشل، وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليهم الملل، وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة، كما أن البطالة تعوق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي.
الجانب النفسي
وعن حالة البطالة عند الشباب بينت المرشدة يوسف أنها تؤدي إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، كما وجدت أن القلق والكآبة وعدم الاستقرار يزداد عندهم، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية، فمثلاً يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم، كما أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة المالية التي تنتج عن البطالة.
وذكرت يوسف من مشكلات البطالة أيضاً مشكلة الهجرة، وترك الأهل والأوطان التي لها آثارها ونتائجها السلبية، كما لها آثارها الإيجابية، والسبب الأساس في هذه المشكلات بين العاطلين عن العمل، هو الافتقار إلى المال، وعدم توافره لسد الحاجة، إن تعطيل الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، ولاسيما بين الشباب الممتلئ طاقة وحيوية، ولا يجد المجال لتصريفها، يؤدي إلى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً، مسببة له مشكلات كثيرة.