الثورة- علي إسماعيل:
لم تكن أعمال الدورة 80 للجمعية العمومية للأمم المتحدة بالنسبة لدمشق، حدثاً عابراً كما كان في السنوات الماضية، بل هو مدخل عالمي لعودتها إلى المجتمع الدولي، فسوريا لم تعد معزولة سياسياً ولا دبلوماسياً، وهي تتصدر الأجندة الدولية من جديد، ولقاءات السيد الرئيس أحمد الشرع مع العديد من قادة وزعماء العالم، على هامش اجتماعات الجمعية العامة، ومشاركته للعديد من الفعاليات السياسية والاقتصادية أكبر دليل على أهمية الحضور السوري في هذا المنبر الدولي عالي المستوى.
فاللقاء الذي جمع الرئيس الشرع بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بحضور ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، من الجانب الأردني، ووزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، تناول العديد من القضايا الثنائية التي تهم البلدين سوريا والأردن، وكذلك قضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك.
وأكد الملك عبدالله الثاني بحسب وكالة بترا الأردنية على دعم عمان لجهود دمشق في الحفاظ على سيادتها وأمنها واستقرارها، مشيراً في الوقت نفسه على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لوقف الحرب على غزة واحتواء التصعيد في الضفة الغربية، وهو ما منح اللقاء بعداً إقليمياً يتجاوز الثنائية السورية- الأردنية.
في موازاة الحضور العربي لفت لقاء الشرع مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الأنظار، حيث أكدت في تغريدة لها، التزام الاتحاد الأوروبي بدعم “عملية انتقال شاملة وسلمية بقيادة سورية، خالية من التدخلات الأجنبية الضارة”، وعكست كلمات المفوضية الأوروبية، تحولاً ملموساً في لغة الخطاب الأوروبي تجاه دمشق، من العقوبات والعزلة إلى الحوار والانفتاح، وأبرزت فون دير لاين في التغريدة استعداد الاتحاد الأوروبي لتوسيع الحوار السياسي مع سوريا، وتلبية احتياجاتها الإنسانية العاجلة، والمساهمة في التعافي الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك إعادة الإعمار.
تصريحات المسؤولة الأوروبية تحمل بين طياتها إشارة إلى استعداد بروكسل، لإعادة صياغة العلاقة مع دمشق بما يخدم الاستقرار الإقليمي، ويعالج ملف اللاجئين الذي يصفه الكثير من الأوروبيين بالعبء الكبير على القارة الأوروبية.
كما كان لقاء الرئيس الشرع برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني هاماً جداً، لجهة انفتاح مسار العواصم الأوروبية على سوريا بشكل كبير، فعقب اللقاء قالت رئاسة مجلس الوزراء الإيطالية، في بيان لها نشرته وكالات الأنباء: إن اجتماع الشرع- ميلوني، أتاح فرصة لتأكيد دعم إيطاليا لإعادة إعمار سوريا مستقرة وذات سيادة، من خلال استثمارات الشركات الإيطالية في العديد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك.ووفق البيان سلّطت ميلوني الضوء على الالتزامات المهمة التي قطعتها الحكومة الإيطالية على نفسها فيما يتعلق بـ”التعاون التنموي في البلاد”.
وفي الاجتماع أكدت ميلوني على ضرورة العمل على قضية إدراج وحماية جميع أفراد المجتمع السوري، فضلًا عن ضرورة مواصلة الجهود لضمان عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بأمان وعلى أساس طوعي، على حد تعبير البيان.
الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب كان آخر القادة الذين التقاهم الرئيس الشرع في نيويورك أمس، وفي تغريدة عبر منصة “إكس”، أعرب ستوب عن دعمه وتشجيعه لـ”الانتقال السياسي نحو الديمقراطية” في سوريا، بما يعكس رغبة أوروبية متزايدة في رؤية دمشق منخرطة في عملية تحول سياسي هادئة ومؤسساتية، بعيداً عن سيناريوهات الفوضى والانهيار.
وتميزت هذه اللقاءات المتنوعة، بين عربية وأوروبية، بوصفها تحولاً نوعياً في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري، فبعد سنوات من العقوبات والضغوط الدبلوماسية، بدأت القوى الكبرى تنظر إلى دمشق كمعادلة صعبة في منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزها، في قضايا اللاجئين، والطاقة، ومحاربة الإرهاب، ورسم خريطة الاستقرار في المنطقة.
حضور الرئيس الشرع في نيويورك ليس مجرد مشاركة رسمية في أعمال الجمعية العامة، بل إعلان صريح عن عودة سوريا إلى دائرة الضوء، و بدء مرحلة جديدة تتسم بالانفتاح والحوار بدل العزلة والقطيعة، خاصة أن لقاءات القيادة السورية مع قادة عرب وزعماء ورؤساء أوروبيين وعالميين، يظهر توجه دمشق الثابت نحو إعادة تموضعها في المجتمع الدولي، تحت عنوان سوريا تعود إلى المجتمع الدولي، كدولة تنشد الانفتاح والشراكة.