الثورة- منهل إبراهيم:
منذ سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول 2024، تشهد منطقة الجنوب السوري حالة من الفوضى الأمنية الناجمة عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والمكثفة، والتي بلغت خلال الأشهر الماضية أكثر من 256 توغلاً موثقاً، استهدفت بشكل رئيسي ريفي القنيطرة ودرعا، ودمرت حياة المدنيين السوريين وأرزاقهم.
وتحت مزاعم وذرائع مختلفة، شملت هذه العمليات والتوغلات مداهمات، واعتقالات، وهدم منازل، وإنشاء تحصينات، وحفر خنادق، بالإضافة إلى هجمات جوية وعمليات استطلاع مكثفة، وهذه الأنشطة التي تخالف القانون الدولي أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وأثرت بشكل كبير على حياة المدنيين.
ووفقاً لتحليل تقصي الحقائق لشبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” باستخدام الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الميدانية، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي توسيع توغلاتها وانتهاكاتها داخل الأراضي السورية، حيث تظهر صور الأقمار الاصطناعية استمرار أعمال الإنشاء في طريق يسمى بـ “سوفا 53″، الذي يخترق منطقة الفصل منزوعة السلاح جنوب سوريا والذي بدأ العمل عليه عام 2022.وقد تم إنشاء الطريق كساتر ترابي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وبعرض مماثل، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويمتد بين مواقع عسكرية إسرائيلية شرق خط برافو، الذي حددته اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بين سوريا وإسرائيل، وقدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان طول سوفا 53 بسبعين كيلومتراً.
وتلفت “بي بي سي” إلى أنه وبعد مراجعة للصور الملتقطة للأقمار الاصطناعية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2025، ومقارنتها بصور من يناير/كانون الثاني الماضي، تبين أن أعمال البناء مستمرة. ويؤكد محللون عسكريون لشبكة “بي بي سي” أن ما يجري في المنطقة العازلة هو “فرض أمر واقع جديد على الأرض” يهدف الاحتلال من خلاله إلى “منع دخول الآليات العسكرية من الجانب السوري مستقبلاً كخطوة عسكرية استباقية لأن نواياهم هي قضم المزيد من مناطق سوريا”.
وتحت عنوان خسائر مدنية ومناطق محظورة، أشارت “بي بي سي” إلى أن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات، تم اقتلاعها لصالح خط سوفا 53 والقواعد العسكرية في المنطقة العازلة.وأوضحت “بي بي سي” أن إسرائيل جرفت حرش كودنة في ريف القنيطرة الأوسط بمساحة تُقارب 1,860,000 متر مربع من أشجار الصنوبر الثمري، بالإضافة إلى مساحة 150,000 متر مربع من محمية جباثا الخشب، المزروعة بأشجار السنديان المعمرة، و 50,000 متر مربع في حرج الشحار بريف القنيطرة الشمالي وهي غابات صنوبر ثمري.
إضافة إلى 50,000 متر مربع من الحراج على طول الطريق باتجاه القنيطرة.وأضافت الشبكة الإخبارية البريطانية أن إسرائيل “تمنع المدنيين من الاقتراب من محيط القواعد العسكرية وأماكن الحفر في سوفا 53، ما حول نحو ستة آلاف هكتار إلى مناطق محظورة، وحرم المزارعين والرعاة من مصادر رزقهم”.
وأشارت “بي بي سي” إلى أنه في يونيو/حزيران 2025، هدم جيش الاحتلال الإسرائيلي حياً مكوناً من 15 منزلاً لتأمين محيط قاعدة عسكرية جديدة في قرية الحميدية، ليتحول المكان العامر بالحياة إلى “أرض جرداء” خالية إلا من بقايا الركام، وباتت “المنطقة خطيرة” يصعب الوصول إليها.
وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه الخروقات على طول المنطقة العازلة منزوعة السلاح، تمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية وقف إطلاق النار (فض الاشتباك) الموقعة في عام 1974. وفي أيلول الحالي ناهزت التوغلات الـ25 توغلاً، وتركزت بشكل أساسي في محافظة القنيطرة، مع امتداد محدود إلى ريف درعا وريف دمشق الجنوبي الغربي، وتعكس هذه الأرقام تصاعداً كبيراً في الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة منذ سقوط النظام المخلوع.