الثورة – ميسون حداد:
تواجه محافظة درعا تحديات كبيرة مع استمرار عودة العائلات النازحة وما يرافقها من ارتفاع في الطلب على الخدمات والمساعدات، وسط واقع إنساني متردٍّ يفرض تكثيف الجهود لتأمين الاحتياجات الأساسية ودعم الاستقرار في القرى والأحياء المتضررة.
في هذا السياق، التقت “الثورة” المدير العام لدائرة العلاقات المسكونية والتنمية في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس الأرشمندريت ملاتيوس شطاحي، عقب زيارته لمحافظة درعا ولقائه المحافظ أنور الزعبي، للحديث عن أهم المشاريع والبرامج التي تنفذها الدائرة في المحافظة، وأثرها على المجتمع المحلي، إلى جانب أبرز التحديات التي تواجه العمل الإنساني وسبل تجاوزها.
أولوية ترميم المدارس
وصف الأرشمندريت ملاتيوس لقاءه مع المحافظ بالإيجابي جداً، مؤكداً أنه يعكس وعياً عميقاً بحاجات المحافظة وأهمية تطوير بناها التحتية، مشيراً إلى أن تعاون دائرة العلاقات المسكونية مع المحافظة ليس جديداً ولن يتوقف، إنما جاء اللقاء الأخير لتعزيز التنسيق ورفع مستوى الاستجابة في الظروف الراهنة.
وتناول الحديث مع المحافظ القطاعات ذات الأولوية، وخاصة مع بداية العام الدراسي، وشدد الجانبان على أهمية تدخل الدائرة والمنظمات الإنسانية لترميم المدارس وإعادة افتتاحها لتصبح جاهزة لاستقبال الأعداد الكبيرة والمتزايدة من الطلاب.
كما أشاد المحافظ بتدخل الدائرة خلال حركة النزوح من محافظة السويداء باتجاه درعا، والذي جرى بصمت إعلامي لكنه كان فعالاً ومستداماً على أرض الواقع، إذ تواصل الدائرة حتى اليوم تقديم المساعدات اليومية للمتضررين في مراكز الإيواء.
برامج الدائرة
وأوضح الأرشمندريت ملاتيوس أن البرامج التي تنفذها الدائرة في درعا تتوافق مع التطورات المرحلية التي تمر بها المحافظة، وتشمل قطاعات متعددة، فمع حركة النزوح الأخيرة وما رافقها من إقامة بعض العائلات في الخيام، كان لا بد من استجابة طارئة وسريعة، شملت: “تزويد مراكز الإيواء بخزانات ماء وتأمين مياه نظيفة للشرب والغسيل والاستحمام، وتوزيع حصص غذائية وشتوية تشمل فرشات وألبسة ووسائل تدفئة، وتزويد المراكز بالوقود وإنارة الطوارئ، وتزويد الأفران بالطحين لضمان استمرار إنتاج الخبز، وتقديم دفعات نقدية يومية للأسر لتغطية مصروفها الأساسي”.
وأضاف: إن الدائرة تعمل بالتوازي على تطوير سبل العيش في المحافظة، من خلال ترميم المدارس والأفران، ومنح مشاريع صغيرة للمواطنين، وتقديم دورات تدريب مهني مع تزويد المتدربين بعدة العمل، وتمكين الناجحين من إطلاق مشاريعهم الخاصة.
كما تحرص الدائرة على تعزيز مفاهيم العيش المشترك وبناء السلام بين مختلف مكونات المجتمع السوري، وهي رسائل تعتبرها أساسية في مرحلة التغيير التي تمر بها البلاد.
وأشار إلى أن عمل الدائرة في المحافظة واسع النطاق، إذ يزيد عدد فريقها على 80 متطوعاً ومتطوعة، ما يسمح بتغطية مساحة كبيرة من المشاريع التي تُواكب الاحتياجات المتغيرة للمجتمع المحلي.
استجابة فعالة
وأكد الأرشمندريت ملاتيوس أن برامج الدائرة تحظى بتقدير واسع لأنها تقوم على مبدأ الحياد الكامل في تقديم المساعدات، مضيفاً: “نحن نساعد الجميع دون تمييز في اللون أو العرق أو الدين، ولا نسأل أي شخص عن انتمائه الطائفي قبل تقديم الخدمة”.
وأوضح أن “بوصلة العمل الإنساني هي الاحتياج نفسه فقط”، وأن هذا النهج بات واضحاً للمجتمع المحلي في درعا كما في بقية المحافظات، ما عزز الثقة بعمل الدائرة ودفعها للاستمرار في تطوير برامجها وجعل استجابتها أكثر فعالية ومواءمة مع حاجات الناس.
وأكد الأرشمندريت أن البرامج المجتمعية لم تتوقف، بل تعززت في المرحلة الراهنة، ومن أبرزها برامج المبادرات التي تجمع أفراد المجتمع المحلي تحت مشروع واحد يلبي حاجاتهم.
وضرب مثالاً بأحد أهم المبادرات الحالية، وهو التركيز على تعزيز العيش المشترك وبناء السلام بين أطياف المجتمع السوري، قائلاً: “إذا كان البعض يعبث ويدمر، فنحن كذراع خيري للبطريركية نحاول أن نضمد هذه الجراح ونبني، وهذا واجبنا من خلال هذه المبادرات التي لم تتوقف ولن تتوقف”.
أبرز التحديات
وتحدث الأرشمندريت ملاتيوس عن أبرز التحديات التي تواجه فرق العمل الإنساني، وعلى رأسها الوضع الأمني الذي يتطلب تعزيزاً عاجلاً لسد الثغرات، إضافة إلى تحديات المواصلات وارتفاع الأسعار وانعكاسها على تكلفة البرامج.
كما أشار إلى مشكلة ضعف السيولة المالية في البنوك، ما يؤدي أحياناً إلى إحجام بعض الموردين عن التعاقد مع المنظمات الإنسانية، وقال: “نحن لا نعمل بـ(الكاش)، ونضطر للتعامل عبر الحوالات المصرفية، لكن الموردين يواجهون صعوبة في سحب المبالغ النقدية، مما قد يوقف بعض التوريدات ويعوق سير العمل”.
الإيمان بالأعمال
وعند سؤاله عن رسائله عبر منبر “الثورة”، قال الأرشمندريت ملاتيوس: “رسائلنا تصل دائماً من خلال أعمالنا، فشعارنا هو (الإيمان بالأعمال)، وبالتالي أعمالنا تتحدث عنا وعن بطريركيتنا”.
وأضاف: إن وجود الدائرة الدائم في لحظات الحاجة الصعبة هو رسالتها الأهم: “نحن موجودون من أجل خير الجميع وتلبية احتياجاتهم من دون تمييز”.
وختم بالإشادة بالرغبة الحقيقية لدى الجهات الرسمية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، مجدداً دعوته لإيجاد حل سريع لأزمة السيولة المالية لأنها قد تشل مفاصل العمل الإنساني، وقال: “مهما كانت الظروف والصعوبات، نحن مستمرون لإيصال الدعم لمن يستحقه”.