الثورة – حسين روماني:
احتضن مقر دائرة المسرح المدرسي في دمشق احتفالية خاصة بمناسبة المولد النبوي الشريف، حضرها مدير تربية دمشق الدكتور أيمن ياسين إلى جانب الأهالي وعدد من المهتمين، ليتحول المكان إلى مساحة رحبة يتقاطع فيها الصوت العذب للكورال مع الألوان المشرقة في لوحات التشكيل، في مشهد أعاد للأذهان صورة المسرح كبيت جامع للفنون.
الاحتفال الذي أقيم بإشراف دائرة المسرح المدرسي لم يقتصر على الأناشيد والابتهالات الدينية، بل تخلله أيضاً معرض فنون تشكيلية من أعمال الطلاب، اعتمد في كثير من تفاصيله على إعادة التدوير وتحويل المواد البسيطة إلى قطع فنية تحمل روح الابتكار، تنوّعت الفقرات بين كورال وإنشاد جماعي ومعروضات فنية، جميعها ثمرة تدريبات مكثفة أشرف عليها مختصون، فيما شارك طلاب من أعمار مختلفة، من الصغار وحتى المراهقين، ليؤكدوا أن الفن لغة جامعة يمكن أن تجمع الأجيال.
عودة المسرح
خلال الجولة التي قام بها مدير تربية دمشق الدكتور أيمن ياسين في أرجاء المعرض، توقّف رئيس قسم التمثيل في دائرة المسرح المدرسي الفنان حسام الشاه، متوجهاً بكلامه إليه ليؤكد على أهمية إعادة الاعتبار إلى المسارح المدرسية المخصصة التي شهدت في الماضي بدايات أهم نجوم الدراما السورية، تلك الخشبات تحتاج اليوم إلى إعادة تأهيل لتستمر في أداء رسالتها، واستعرض عدة تفاصيل تعيق العملية الابداعية أبرزها تفاوت أوقات الطلاب بعد الدوام المدرسي، إذ إن المدربين يحاولون اقتناص لحظات فراغ الطالب لنمنحه فرصة التدريب، لكن ضيق الوقت وعدم وجود تنظيم كافٍ يحول دون استثمار كامل لطموحهم”.
أناشيد وإبداع جماعي
أما رئيس قسم الفنون الشعبية بدائرة المسرح المدرسي غادة إسماعيل، فقد اعتبرت في حديثها لـ”الثورة”، أنّ مشاركة الدائرة هذا العام في الاحتفال بالمولد النبوي خطوة لافتة، قائلة لـ”الثورة”: سابقاً كانت وزارة الأوقاف تتولى هذه الفعالية، لكننا أردنا هذا العام أن يكون للمسرح المدرسي نصيب في المناسبة، اجتمعنا مطولاً لاختيار الفقرات والأناشيد والابتهالات، ورغم قصر مدة التدريب، إلا أنّ تعاون الأهالي مع الطلاب منحنا نتيجة طيبة، حتى اللباس اخترناه بعناية ليتناسب مع كل نشيد، والأجمل أن الفريق كله كان يعمل بروح المحبة، ما ترك في نفسي أثراً يجعلني أشعر أنني حققت بصمة خاصة”.
من جهتها، تحدّثت رئيس قسم الموسيقا السيدة هند، عن الجهد المبذول في تدريب الكورال والعازفين، موضحةً أنّ البروفات استغرقت عشرة أيام فقط، رغم صعوبة نهايات فصل الصيف، وأضافت: “بالرغم من النقص المادي، إذ إن المشكلة الأساسية تبقى في نقص الدعم المادي، فالمسرح المدرسي بحاجة ماسة إلى أدوات وآلات جديدة وإلى إعادة تأهيل، لكننا حرصنا على المشاركة في جميع الفعاليات الممكنة، لنثبت أن المسرح المدرسي قادر على الحضور”.
تشكيل من لا شيء
الاحتفالية لم تقتصر على الغناء والإنشاد، إذ كان للفنون التشكيلية حضور بارز عبر معرض ضم أعمالاً اعتمدت على إعادة تدوير مواد بسيطة.
مدربة الرسم في قسم الفنون الجميلة منى درغام، شرحت لنا آلية العمل: “نذهب إلى المدارس لاستقطاب الطلاب بحسب رغبتهم وميولهم، ثم نبدأ معهم خطوة بخطوة، حتى يصلوا إلى النتيجة التي شاهدناها في المعرض، الأهم عندي أن يعتمد الطالب على جهده، حتى لو أخطأ في البداية، لدينا أعمال بورتريه من قصاصات ورق وقماش، لوحات طبيعة صامتة باستخدام الظل والنور، وأخرى من مجلات وجرائد قديمة تحولت إلى قطع جمالية.
أردنا أن نغرس في الطلاب ثقافة إعادة التدوير وتحفيز الخيال ليبتكروا طريقاً جديداً لكل مادة يلمسونها في حياتهم”.
دعم التربية للمواهب
في ختام الفعالية، أكّد مدير تربية دمشق الدكتور أيمن ياسين في تصريح خاص لـ”الثورة”، أنّ ما جرى لم يكن مجرد عرض عابر، بل هو تعبير عن رؤية الوزارة في استثمار طاقات الطلاب، وقال: “ما شاهدناه من لوحات وأناشيد هو خلاصة تجارب طلابنا وتلاميذنا، كانت الأعمال معبرة وسريعة وجميلة، والأهم أنها عبّرت عن فرح الأطفال بالمولد النبوي وبقدوم العام الدراسي الجديد، تفعيل المواهب واستثمارها هو غاية الوزارة، والمسرح المدرسي يظل في قلب اهتمامنا”.
تكشف هذه الاحتفالية عن حيوية المسرح المدرسي كمنصة تربوية وفنية في آن واحد، فهي لم تكن مجرد احتفاء ديني، بل مساحة لتجريب أدوات جديدة وصياغة رؤية تربوية تعيد الاعتبار إلى الفنون بوصفها جزءاً من تكوين الطالب، بين ألوان المعرض وأصوات الكورال، بدا واضحاً أن دمشق لا تزال قادرة على أن تضيء شمعة في عتمة الواقع، عبر مبادرات صغيرة لكنها عميقة الأثر، تعيد الفرح للأطفال وتمنح الأهل طمأنينة بأن أبناءهم يكبرون بالفن كما يكبرون بالعلم.