مشاورات موسكو.. إعادة ترسيم الخلافات

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لا أحد يرسم أوهاماً حول المشاورات الأميركية الروسية الخاصة في موسكو، لكن – من باب الإنصاف – قد تكون إحدى المؤشرات القليلة على بارقة ضوء تبقي الأبواب مفتوحة على النقاش وتؤجّل إلى وقت لاحق احتمالات الذهاب بعيداً في المواجهة، وإن أخذت صيغة ترحيل مؤقت لحالة الصدام.. أو تعليق مرحلي لها.

ورغم أن النزوع الأميركي المبيّت للصدام لا تخطئه العين فإن الترتيبات الأخيرة للأولويات الأميركية في المنطقة بعد قمة كامب ديفيد قد سخنت من حضوره، وأدرجته على أجندات السياسة الأميركية بعد المراجعة الذاتية لعمل أدواتها في المنطقة، والذي يعكس إصرار الرئيس أوباما على التمسك بما اعتبره ذات يوم مجرّد فانتازيا.‏

غير أن الاقتراح الأميركي أو المبادرة بهذا الاتجاه يحملان في طياتهما ما يكفي من المؤشرات على أن أميركا تريد تقطيع الوقت المتبقي تحت مظلة السياسة أكثر من ميلها إلى العبث بمكونات المشهد الدولي أو الاحتكام إلى عسكرته ولو مؤقتاً.‏

على هذه القاعدة تتحرك فرضيات مختلفة، وتتشارك في الفكرة ذاتها سلسلة لا تنتهي من المجردات اللفظية على تقاطعات وحسابات تُشهر الرغبة الأميركية في تعديل قواعد الاشتباك على المسرح العالمي، وإن ظلت متمسكة بالإبقاء عليها مشتعلة ومتأججة في المنطقة، تحت شعار إشغال تلك الجبهات إلى أن تتغير المعطيات، أو ريثما تعيد أوداتها في المنطقة تموضعها في متاريسها على ضوء ترتيبات أدوارها الوظيفية في الحقبة الأميركية التالية.‏

هذا كله لا يعدّل في مناخ الاصطفافات الموازية، ولا يرسم في أفقها أيَّ تغييرات عملية يمكن أن تساهم في بلورة معايير إضافية، بحكم أن الاصطدام القائم على الأرض وفي السياسة وخطوط التماس المفتوحة على طول جبهة المواجهة لا يترك المجال للتردد ولا يبيح الاسترخاء والتثاؤب على خطوط النار المتنقلة في كل الاتجاهات، والمتخمة في مصيريتها وإن احتملت الخلط بين الممكن والمتاح، والمزج بين الافتراضي والواقعي.‏

بهذه المقاربة لا تبدو الرؤية الروسية بعيدة في أحكامها عن الصيغ التقليدية المتداولة، ولا عن نظرتها التي تشكلت، خصوصاً بعد التجارب التي خلصت إليها على مدى السنوات الماضية، وإن كانت تدرك مسبقاً أن السياسة الأميركية تمتلك ما يكفي من البراغماتية للاستدارة حين تشعر أنها تقترب من الحائط المسدود، رغم أنها لا تعوّل على ذلك، ولا تستكين لبعض المؤشرات الخاطئة وأحياناً المتضاربة، التي تُملي مزيداً من الحرص على مكونات أي طرح أميركي وأي أفكار يمكن أن تغوص فيها.‏

فالمؤكد أن الحديث بمنطق الصفقات لا يستوي بأي حال مع الواقع، ولا يمكن المراهنة عليه أو الدخول فيه، ما دامت المواجهة مفتوحة على مصراعيها أمام ضجيج الأزمات المتفجرة على خط التصادم الأميركي الروسي، وأقصى ما يمكن ان تحركه المباحثات في نهاية المطاف لا يتجاوز لعبة تدوير الزوايا، التي يختلط فيها ظاهر الأمنيات مع باطنها، وأن النيات لا تكفي لإعادة إدراج ما يمكن تسميته بخطوط التهدئة إلى روزنامة العلاقات الثنائية، ما دامت أميركا تؤكد كل يوم نزوعها نحو المواجهة المفتوحة، ليس في النطاق الإقليمي المحكوم بضوابط المصالح والأطماع، بل أيضاً على المستوى الدولي، حيث الوقت لم يحن.. والتسويات لم تنضج كفاية.‏

على خط مواز وإن كان من منظور آخر، تبدو روسيا عازمة على إعادة تشبيك علاقاتها ليس على نطاق التحالفات المعمول بها في السياسة، بل ينسحب الأمر على عسكرة ذلك التشبيك الذي تترجمه ولو بشكل رمزي المناورات المشتركة مع الصين في المتوسط، والتي تُعتبر في الحسابات العسكرية والسياسية سابقة لم تحصل حتى في ذروة الحرب الباردة، ولا في قمة التجاذبات على مستوى المشهد العالمي.‏

مشاورات موسكو ترسم خطاً سياسياً فاصلاً في ظاهرها، لكنها تبقى أقرب إلى محاولة ضبط الاستطالات التي تهدد بتفجير الموقف في وقت لا تحتمل المنطقة المزيد من الانفجارات، أو هي تدخل في نطاق إعادة ترتيب نسق التجاذبات القائمة.. وإعادة ترسيم حدود الخلافات، حيث الوقت لم يحن لوضع آخر ما انتجته إحداثيات الخرائط على طاولة أُعدت بشق الأنفس، ولا يزال الطريق طويلاً ومديداً وتحول دونه متاريس الأدوات الأميركية الداعمة للإرهاب.. وتقطعه خنادق التوظيف الأميركي لمنتجاته الإرهابية المفتوحة وتحول دونه حقول من ألغام السياسة والمصالح والأدوار والأطماع.‏

 

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
إنزال أول كابل بحري دولي يربط سوريا  بالعالم  سوريا تعزز موقعها الاستثماري في "مبادرة مستقبل الاستثمار 2025" بالرياض   الدواء السوري يعود إلى الواجهة   دعم منظومة مياه الشرب في بصرى الشام بدرعا   مسؤول أممي: إعمار سوريا ضرورة لاستقرار المنطقة الذهب والمعادن الثمينة.. فرصة لتعميق التعاون بين سوريا وأذربيجان أول سفير تركي في دمشق منذ 2012 ..ترسيخ للعلاقات والتعاون الاستراتيجي بمشاركة 50 صناعياً.. انطلاق معرض خان الحرير للألبسة الرجالية في حلب بحث تعزيز التعاون بين جامعة حلب ومنظمة "إيكاردا" و "السورية للبريد" هاكان فيدان يعيّن نُوح يلماز سفيراً لتركيا في سوريا "المؤتمر الطبي الأوروبي العربي الأول".. شراكة للعلم والحياة قطر وباكستان تجددان دعمهما لوحدة وسيادة سوريا الأمم المتحدة: 300 ألف لاجئ سوري عادوا من لبنان إلى وطنهم منذ مطلع 2025 وزير التعليم العالي: سوريا تنهض بالعلم من جديد وتستعيد مكانتها الطبية في العالم مايك بومبيو: أحمد الشرع هو “الرهان الأفضل” لمستقبل سوريا والمنطقة مئة يوم على اختفاء "حمزة العمارين" في السويداء ومطالب حقوقية بكشف مصيره أسعار المدافىء في حلب تحول بين المواطن ودفئها.. والغلَبة للبرد..!   وفد إعلامي سوري يختتم زيارة إلى قطر لتعزيز التعاون الإعلامي بيروت تُعين هنري قسطون سفيراً لها في سوريا قطاع الكهرباء.. فرص واعدة وتحديات قائمة