الثورة – إخلاص علي:
مع عودة الحياة الاقتصادية إلى عدد من المناطق وتزايد الحاجة إلى تنشيط القطاع الصناعي، تدرس الحكومة إلغاء البلاغ رقم 10 الصادر عام 2018، الذي يقيّد إنشاء المنشآت الصناعية داخل المدن والمناطق الصناعية فقط.
هذا التوجه الحكومي أثار جدلاً واسعاً بين مَن يراه حافزاً قوياً للاستثمار والتنمية، وبين مَن يخشى تداعياته على البيئة والبنية التحتية.
أسئلة مشروعة
في هذا الإطار، تبرز أسئلة محورية تتطلب إجابات واضحة، أهمها كيف ستؤثر هذه الخطوة على تحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات الصناعية وحماية البيئة؟ وما التداعيات المحتملة على بنية تحتية تواجه بالفعل ضغوطاً كبيرة؟.
بالحديث مع عدد من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة لاحظنا حالة تفاؤل تجمع بينهم، إذ عبروا عن ترحيبهم بالمرونة الجديدة، معتبرين أنها تفتح آفاقاً لتوسيع النشاط خارج المدن والمراكز الصناعية التقليدية.
غير أنهم أكدوا أن نجاح هذا التحرّر يتوقف على قدرة الحكومة على توفير بنية تحتية متينة ودعم إداري وتقني يسمح لهذه المشاريع أن تنطلق على قواعد سليمة.
بدوره قدم الباحث الاقتصادي فادي ديب قراءته في الموضوع معتبراً أن إلغاء القيود وزيادة حرية الاستثمار الصناعي قد يسرّع من افتتاح المزيد من المنشآت، ولاسيما في القطاعات الزراعية والصناعات الغذائية التي تمثل أهمية بالغة للاقتصاد الوطني.
معايير بيئية
ولمنع الفوضى وتحجيم الفساد المحتمل، ركز ديب خلال حديثه لـ” الثورة” على ضرورة تطوير أنظمة الرقابة والحوكمة الإلكترونية الحديثة التي تضمن شفافية في منح التراخيص ومتابعة دقيقة لأنشطة المنشآت الصناعية.
كما شدد على أهمية فرض معايير بيئية صارمة، وضوابط عمرانية تحافظ على التوازن بين التنمية الصناعية والنمو الحضري المنسق.
وحول المخاطر البيئية والاجتماعية المحتملة في حال تم إلغاء البلاغ، أعرب ديب عن قلقه من أن التوسع غير المخطط قد يؤدي إلى تلوث التربة والمياه، استنزاف الأراضي الزراعية وصعوبة في تردي جودة الحياة خاصة في المناطق التي لا تزال تعاني من آثار النزاع السابق، مما يستدعي اعتماد إجراءات مراقبة بيئية صارمة وتعزيز الاستثمار في البنى التحتية الخضراء.
مدن صناعية منظمة
من جهته قدم المتخصص في الشأن الصناعي محمد أورفه لي قراءة مختلفة نوعاً ما لقراءة ديب حيث يرى أنه من غير المناسب فرض إنشاء جميع المنشآت الصناعية داخل قلب المدن، لا سيما مع وجود صناعات تقليدية في الأرياف ومنشآت صناعية متلاصقة أو موزعة في أراضٍ مفتوحة.
من هنا، تنبع ضرورة تنظيم هذه المجموعات الصناعية الضخمة ضمن مدن صناعية مخصصة توفر لها البنى التحتية والخدمات المناسبة، مما يحد من الانتشار العشوائي ويعزز كفاءة الإنتاج.
أورفه لي لفت النظر إلى أن المستثمرين الأجانب يفضّلون بلا شك الاستثمار داخل المدن الصناعية المنظمة، إذ توفر بيئة تنظيمية واضحة ومستقرة تقيهم من المشكلات التي قد تطرأ عند إنشاء المنشآت في مناطق سكنية أو غير منظمة، إذ تضمن المدن الصناعية للمستثمرين حماية حكومية متينة، إضافة إلى خدمات متخصصة وتسهيلات إدارية لا تتوافر في المناطق الريفية المفتوحة.ختاماً.. فإن تحقيق النجاح في إلغاء البلاغ رقم 10 يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرة الحكومة على التخطيط الاستراتيجي الدقيق، فعالية الرقابة، والتزام مؤسسات الدولة بتطبيق معايير صارمة توازن بين تحفيز الاستثمار وحماية البيئة في آن واحد، بما يضمن مساراً مستداماً يصب في مصلحة المستثمرين والمجتمع والبلد على حد سواء.