الثورة – إيمان زرزور:
تُعدّ الانتخابات البرلمانية التي تنطلق اليوم في سوريا، أول اختبار عملي لبنية الدولة الجديدة بعد الحرب في سوريا وسقوط نظام الأسد البائد، فهي تمنح مؤسسات الحكم طابعًا شرعيًا قائمًا على الإرادة الشعبية، وتُنهي فعليًا مرحلة من الفراغ التشريعي التي أعقبت انهيار مؤسسات النظام السابق، ما يعزز ثقة المواطنين بالعملية السياسية ويمنحها مشروعية داخلية ودولية.
وتعيش سوريا اليوم، حدثاً سياسياً غير مسبوق مع انطلاق أول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام الأسد البائد، في مشهد يعبّر عن مرحلة جديدة من التحول السياسي بعد أربعة عشر عاماً من الحرب في سوريا، حيث يتوجه أعضاء الهيئات الناخبة إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم الجدد ضمن آلية انتخابية غير مباشرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
وتبدأ عملية التصويت عند الساعة التاسعة صباحاً في مختلف المحافظات السورية، على أن تُغلق صناديق الاقتراع مبدئياً عند الثانية عشرة ظهراً، مع إمكانية تمديدها حتى الرابعة عصراً إذا لم يُدلِ جميع أعضاء الهيئات الناخبة بأصواتهم، وفق ما أكده المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب نوار نجمة.
ووفق نجمة فإن إعلان النتائج الأولية سيتم فور الانتهاء من فرز الأصوات مساء اليوم، بينما تُعلَن النتائج الرسمية خلال مؤتمر صحفي مطلع الأسبوع المقبل. ولفت نجمة أن أعضاء الهيئات الناخبة يخضعون لإجراءات دقيقة تبدأ بإبراز أوراقهم الثبوتية واستلام البطاقات الانتخابية، قبل التوجه إلى رؤساء اللجان الفرعية لاستلام الورقة الانتخابية المختومة، ومن ثم الدخول إلى غرفة الاقتراع السرّي لتعبئتها، ليتم التصويت علناً داخل الصندوق وفق النظام المعتمد. وأكد أن العملية تجري في أجواء هادئة ومنظمة، وسط متابعة إعلامية محلية ودولية.
بيّن المتحدث أن صناديق الاقتراع ستُفتح بعد انتهاء العملية الانتخابية أمام وسائل الإعلام، لبدء فرز الأصوات بشكل علني بحضور ممثلي اللجان والمرشحين، مضيفاً أن النتائج الأولية ستُنشر مباشرة عبر وسائل الإعلام الرسمية، بينما تُحال الطعون المحتملة إلى لجان مختصة قبل اعتماد النتائج النهائية. في الأيام التي سبقت الاقتراع، شهدت الساحة الانتخابية نشاطاً لافتاً من المرشحين الذين قدّموا برامجهم ورؤيتهم لعمل مجلس الشعب في دورته الجديدة، خلال لقاءات مفتوحة وجلسات تعارف نظّمتها اللجان الانتخابية الفرعية، وتركزت النقاشات حول الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، ودور البرلمان في ترسيخ مبادئ العدالة والمساءلة.
وكانت اللجنة العليا قد حددت فترة الدعاية الانتخابية بين 29 أيلول و3 تشرين الأول، تلتها فترة صمت انتخابي قبل يوم الاقتراع، في تجربة انتخابية توصف بأنها نقطة انطلاق نحو بناء مؤسسات دستورية جديدة، بعد سنوات من الاستبداد والفراغ السياسي الذي تركه نظام الأسد البائد.
هذه الانتخابات تمثل – بحسب مراقبين – اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على ترسيخ قيم المشاركة الشعبية وإعادة صياغة المشهد السياسي في ظل قيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يؤكد في خطاباته على أن “الشرعية الجديدة تُبنى بالإرادة الحرة لا بالوراثة”. كما تمثل الانتخابات فرصة لإعادة توزيع مراكز القوة داخل مؤسسات الدولة وفق توازن مدني وديمقراطي جديد، يضمن مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في صنع القرار، ويمنع احتكار السلطة، وهذا يشكل تحولًا جوهريًا عن بنية “الحزب الواحد” التي رسخها نظام الأسد البائد منذ السبعينيات.
وتكمن أهمية هذه الانتخابات في كونها تتويجًا لمسار سياسي طويل بدأ مع سقوط نظام الأسد البائد، وبداية فعلية لبناء دولة حديثة قائمة على الشرعية الدستورية، والمواطنة، والتعددية السياسية، فهي تحوّل بنيوي في مفهوم السلطة والحكم، يعكس التزام القيادة السورية الجديدة – برئاسة أحمد الشرع – بتأسيس نظام سياسي يستمد شرعيته من إرادة الشعب لا من أدوات القمع والوراثة.