الثورة – علاء الدين محمد:
” لو أحدٌ يمنحني الأمان، لو كنتُ أستطيع أن أُقابل السلطان، لقلتُ له يا سيدي: كلابُك المفترسة مزَّقت ردائي، ومخبروك دوماً ورائي، آذانهم ورائي وأنوفهم ورائي، أقدامهم ورائي، كالقدر المحتوم، كالقضاء، يستجوبون زوجتي، ويكتبون عندهم أسماء أصدقائي. يا سيدي السلطان، لقد خسرتُ الحربَ مرتين. لو أحدٌ يمنحني الأمان من عسكر السلطان، لقلتُ له: لقد خسرتُ الحربَ مرتين، لأنك انفصلتَ عن قضية الإنسان”. بهذه القصيدة بدأ الحديث عن معاناة المعتقلين، بالتعبير عن الصراع الداخلي بين الماضي المؤلم والتطلع للمستقبل الأفضل، قصيدة تحمل بين طياتها رسالة قوية ضدّ الاستبداد والقهر، وتُظهر بوضوح كيف أن سلطة النظام الأسدي وقتذاك، كانت تستخدم الأمان والعدالة كأداة لتضليل الشعوب والتمسك بالسلطة بأي ثمن.
كلمات الشاعر نزار قباني تلك، استُشهد بها أثناء التحدث عن تعزيز الوعي حول معاناة المعتقلين السوريين، والذين استضافهم ثقافي أبو رمانة أمس، بندوة تحت عنوان “معتقلو النظام الأسدي بين معاناة الماضي وأمل الحرية المنشودة”، التي جمعت عدداً من المعتقلين والمعتقلات السابقين، ليشاركوا قصصهم وتجاربهم في سجون النظام البائد. بدأت الندوة بكلمات شاعرية لنزار قباني، التي أضاءت المعاناة على ما مرّ به الشعب السوري في ظلّ النظام القمعي، من معاناة التمييز والاضطهاد والظروف القاسية، حيث كانت الأجهزة الأمنية تتعقب المواطنين على أبسط الأمور.

معتقلون أحرار
المعتقل يحيى محمد النشواتي، عضو في مؤسسة حقوق الطفل، استعرض تجربته الشخصية مع الاعتقال، إذ تمّ اعتقاله في عام 2013 بتهم ملفقة تتعلق باغتيال الدكتور سعيد رمضان البوطي، استمر في السجون لمدة ستة أشهر، تنقل خلالها بين العديد من الأفرع الأمنية، وشهد على الانتهاكات العديدة التي كانت تمارس بحق المعتقلين. يحيى عبّر عن تجربته بأنها كانت محاولة لإسكات الشعب وتكميم أفواه المواطنين الذين كانوا يعبرون عن رأيهم. وأضاف أنه بعد خروجه من السجن، ظلّ يعيش في حالة من القلق والخوف المستمرين. كان يسمع صوت أي سيارة أو حفيف الشجر في الليل فيشعر بالرعب، مما يعكس حجم الأثر النفسي العميق الذي تركه الاعتقال عليه. كما أشار إلى أهمية العمل الذي يقوم به اليوم في مساعدة المجتمع السوري وإعادة بناء الوطن بعد أن تحرر من الظلم.

تجربة مريرة
تحدثت السيدة فاطمة عن تجربتها المريرة في السجن، حين تعرضت للتعذيب والمعاملة الوحشية. إلا أنها عرضت قصة إنسانية مؤثرة حين تحدثت عن طفل رضيع استلمته خلال فترة اعتقالها، حيث قامت برعايته واحتضانه كأم وأب في ذات الوقت. أضافت أن المعاناة في المعتقلات كانت مضاعفة، لكن الأمل كان هو القوة التي ساعدتها على الصمود. في حديثها، دعت فاطمة إلى الوحدة بين المعتقلين والشعب السوري بشكل عام، مؤكدةً على ضرورة التكاتف من أجل بناء المستقبل المشرق. كما طالبت بالعدالة والتعويض عن خسائرهم المادية، متمنيةً أن يُستجاب لمطالبهم في تحقيق العدالة.

الأمل حافز
هاني عليوي، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد في سجن صيدنايا، تحدث عن الظلم الذي تعرض له خلال سنوات اعتقاله. على الرغم من قسوة الظروف التي مر بها، بقي الأمل حافزاً له للخروج من تلك المحنة. هاني عبر عن اعتزازه بخروجه من السجن بعد أن تمّ العفو عنه، وأكد أن الشعب السوري بحاجة ماسة اليوم إلى العدل والمساواة والفرص لبناء مستقبل أفضل.
منطلق لسوريا الجديدة
الندوة اختتمت برسالة مهمة لجميع الحضور، مفادها أن معاناة المعتقلين لم تكن مجرد قصص فردية، بل كانت جزءاً من معاناة أمة بأكملها، لكن رغم كل الصعاب والآلام، يجب على الشعب السوري أن ينظر إلى المستقبل بعين التفاؤل، ويعمل من أجل بناء بلد ديمقراطي حر بعيداً عن القمع والظلم. إنما تمّ بناؤه من رحم المعاناة، ويجب أن يكون منطلقاً لبناء سوريا الجديدة التي تستحقها الأجيال القادمة. إن هؤلاء المعتقلين الذين مروا بتجارب مريرة، يحاولون اليوم تقديم الدعم والمساعدة لكل من يسعى لبناء الوطن بطريقة سليمة، ليُجسدوا أملاً جديداً ينبثق من آلام الماضي ويعبّر عن إرادة الشعب السوري في تحقيق العدالة والحرية.