ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
… خمسة وعشرون مليون دولار دفعتها قطَر لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، مرّت من بين صفحات الإعلام ولم تحظ بالاهتمام، وفي كثير من الأحيان من دون تعليق، رغم أن الفدية التي تقدمها بعض الدول هي جزء من التمويل الذي تعتمده المنظمات الإرهابية وفق توصيف الأمم المتحدة.
… الترحيب الأميركي بالصفقة التي أخرجت الجنود اللبنانيين المختطفين لدى «النصرة»، لم ينسَ أحداً، وكاد لولا بعض الحياء المفاجئ يشكر حتى «النصرة» على ما قامت به، وإن أردف بأنه لم يغيّر رأيه فيها ولا يزال يعتبرها منظمة إرهابية.
… قطَر صاحبة الخمسة والعشرين مليوناً تطابقت في المعلومات والتفاصيل عن الصفقة مع معلومات «النصرة» بما يعنيه ذلك في الاستنتاج البسيط أن البيان كان مشتركاً وكتبته يد واحدة وصاغته عقول واحدة، إن لم يكن جهة واحدة، حيث لا فرق بين الأصدقاء والحلفاء حتى في القضايا البروتوكولية ..!!
ثلاثة معطيات تقود إلى نتيجة واحدة، حتى لو لم ترُق للبعض أو أراد ليّ عنق الحقيقة حولها، وهي أن التمويل الذي تمارسه بعض الدول للتنظيمات الإرهابية يُراد له أن يُشرعن، وإن تلوّنت العناوين التي يتم تحتها، سواء ما تعلق بالحديث عن الجانب الإنساني- ونقر بأهميته وضرورته- أم من خلال شهادة حُسن السلوك التي دمغتها أميركا بحافرها قبل أصابعها على الدبلوماسية القطَرية النشطة في علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية.
فالتجربة لم تكن الأولى في سياق الدور القذر للمال القطَري الذي تم توظيفه ليكون جزءاً من المهمة الموكلة للمشيخة الخليجية، فقد سبق لها أن مارست في حالات كثيرة ذلك، ولم ننسَ بعد دورها في تحريض التنظيمات الإرهابية على خطف جنود الأمم المتحدة العاملة في الجولان، ومن التوسط للإفراج عنهم من خلال تقديم الفدية كجزء من وسائل تمويل تلك التنظيمات، وتحديداً جبهة النصرة الإرهابية، وقد أثارت في حينها الكثير من التساؤلات المشروعة وإن تم تجاوزها من دون أي إجراء.
الخطير هذه المرة ليس تجاهل الدور القذر للمال القطَري فحسب، بل أيضاً محاولة إعادة تعويم مهمته في التمويل التي صبغتها واشنطن بتشريعها الخاص، حين لم تحرّك ساكناً.. وحالها في ذلك حال حليفاتها وأدواتها، وكأن تمويل التنظيمات الإرهابية بالمال القطَري أمر بديهي لا يستحق التوقّف أو التمعّن في دلالاته، وهو ما يكشف حجم النفاق الغربي في التماهي مع الدول الداعمة للإرهاب وتنظيماته وبشكل علني.
لايخفى على واشنطن توقيت الصفقة والضائقة التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية، بعد تعرض الكثير من مصادر التمويل للتحجيم حيث العالم يدرك ما يجري، ويطرح الأسئلة الـمُلحّة والمشروعة عن الخفايا المسكوت عنها في الدور القطَري والتمويل الـمُعلن، وهو سكوت ينسحب على عناوين التمويل للإرهاب الذي تتشارك فيه تركيا والسعودية، وإن كانت قطَر هي الأكثر استخداماً لأسلوب الفدية في تمويل الإرهاب.
ولعل الطرح الروسي الذي يجري تداوله في مجلس الأمن حول تجريم تمويل الإرهاب، ومنها تسويق النفط المسروق كأحد أوجهه العملية، لعل هذا الطرح يشكل فرصة أيضاً ليشمل جوانب التمويل الأخرى، وفي مقدمتها استخدام الفدية أيضاً التي لا تقلّ في مساحة التمويل عن سواها.. المباشرة منها وغير المباشرة.
قد يكون من التفاؤل المفرط أن نتخيّل أن ذلك سيتحقق بين ليلة وضحاها، أو أن توافق الدول الغربية على طرحه، لكن من المهم التذكير به ومن الضروري أن يأخذ موقعه في أي نقاش عن تمويل الإرهاب، بل أن يتصدّر أيضاً أي حديث عن مكافحة الإرهاب الذي يبدو الخطوة التي لا غنى عنها من أجل تحقيق خطوات حاسمة في مكافحته.
فالمسألة ليست في قيمة الفدية القطَرية التي بقيت طي الكتمان أو في محاولة نفي العلم بها، ولا في استبعاد التفاصيل المتعلقة وتجاهل ما تحمله من تورّط قطَري مباشر في تمويل الإرهاب وإقامة علاقات تُشرعن وجوده، بل هي أيضاً في المحاولة التي لم تهدأ لتبييض صفحة القاعدة، ولا تزال المحاولات السابقة الفاشلة لفكّ الارتباط بين النصرة والقاعدة وبضغط مباشر من قطَر عالقة بعد انكفاء الدور القطَري نسبياً وتصدّر الوهّابية السعودية للمشهد.
الفارق الوحيد أن تلك التنظيمات حتى لو خرجت من جلدها لن يتعدّل في حقيقة وجودها شيء، والأهم أن تلك المشيخات حتى لو خرجت من دورها ومهمتها الوظيفية مرحلياً أو آنياً لن يتغيّر في موقعها الكثير، باعتبارها حاجة مستمرة للأميركي وعكازاً للصفقات المشبوهة مع البريطاني والفرنسي حتى إشعار آخر، فيما النفاق الدائر والمدوّر في الخطاب الغربي حول مواجهة الإرهاب سيبقى الحامل الوحيد بانتظار المتغيّر الميداني في المنطقة وخارجها..!!
a.ka667@yahoo.com