ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن الرفض الغربي لمشروع القرار الروسي في مجلس الأمن المطالب بوقف الاعتداءات التركية على الأراضي السورية مفاجئاً، خصوصاً في أجواء كانت تشي بذلك الرفض، بل في بعضها جاءت سابقة حتى لقراءة نص المشروع، غير أن المعضلة لم تكن في الرفض على ما فيه،
بل في الأعذار والتبريرات التي قدمتها كل من فرنسا وأميركا، والتي كانت أقبح من الذنب التركي ذاته، حيث كُشف بالقرينة الدامغة ما كان مسكوتاً عنه، وما جهدت باريس وواشنطن للمراوغة والتخفي خلف حبال النفاق فيه.
وبالتوازي معه كان جدل الحديث عن «هدنة» -كما سمتها معارضة الرياض- مشروطة بعدم استهداف جبهة النصرة تارة، أو باللغو بمن يضمن التزامها تارة أخرى، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها في محاكاة مباشرة للعلاقة القائمة مع تنظيم القاعدة، وعودة إلى نسف المقاربة التي يتحدث عنها قرار مجلس الأمن 2254 وما سبقه من قرارات، حول التنظيمات الإرهابية وتسمية داعش والنصرة منها وما ارتبط بهما، والأخطر أنه يأتي بمباركة غربية إقليمية لا يمكن أن تخطئها العين.
قد لا يكون الرابط مباشراً بين الحدثين، لكن من طبيعة الأشياء أن يقودا إلى استنتاج متقارب، وربما في بعض جزئياته متقاطع أو متطابق، لأن الغاية والهدف واحد، حيث الأول يحمي أهم نظام داعم للإرهاب في المنطقة، وأكثر الدول المتورطة في العلاقة مع التنظيمات الإرهابية، والأكثر هلعاً ورعباً من الهزائم التي تُمنى بها تلك التنظيمات، والثاني بمحاولة يائسة لتبييض صفحة الإرهاب وتنظيماته وفي المقدمة جبهة النصرة، حيث تبدأ خيوط المساومة لاحقاً لتتلاقى مع أعذار أقبح من ذنب الدفاع عن التنظيمات الإرهابية وتبنيها، وربما تنشئتها.
عند هذه النقطة قد لا يكون التوقيت بريئاً من عناصر الدلالة، التي يراد عبرها الدخول في عملية تسويف طويلة الأمد، تبدأ من نقطة تعطيل مجلس الأمن، أو شلّ حركته، ولا تنتهي عند خطوات الطرح الغربي المعيقة للحل السياسي، والتي يراد عبرها تركيب معادلات جديدة تتغير فيها قواعد الاشتباك السياسي، وتتعدل وفقاً لنتائجها مقاربات المشهد الإقليمي، بحيث يكون التعويل الغربي على الإرهاب ورقته الوحيدة، التي يقامر بها على طاولة النقاش.. أو على طاولات الحوار والمسار السياسي.
في الحالين نحن أمام أعذار تبدو أشد كارثية من الفعل ذاته، وهي تحاول أن تجادل في المسلّمات التي خلصت إليها الجهود الدولية وفي الموضع نفسه، فالاعتداءات التركية التي يقرّ الغرب قبل غيره، والفرنسي مع الأميركي بأنها يجب أن تتوقف، ويحذران من تداعياتها الخطيرة، وما تمثله، والحال ذاته مع شعارات مكافحة الإرهاب وتمويله واحتضانه، ويعودان سوية إلى تبني المحاولة السعودية التركية بتبييض صفحة تنظيم إرهابي مدرج على اللوائح الأميركية ذاتها.
المفارقة.. أن تكون هناك نقاط اتفاق أو اختلاف بين مداولات تريد أن توصل الأمور إلى طريق مسدود قبل أن تعيد طرحها من بوابة مواربة، تحت أعذار كانت وستبقى أقبح من الذنب الذي يرتكبه الغرب جهاراً، حيث العدوان التركي بوصاية أميركية أطلسية، حتى لو كانت التصريحات غير ذلك، وتجرؤ معارضة الرياض على تبني النصرة ليس خارج سياق الموافقة الأميركية، التي صعّدت من انتقاداتها وحدّة مواقفها حيال روسيا، وما تقوم به من مكافحة للإرهاب، حيث وعود أوباما لأردوغان ليست من فراغ، ولا هي مجرد تطييب للخواطر أو جبر لما انكسر منها، بقدر ما تعكس خياراً أميركياً وقراراً متخذاً بمساندة التهور التركي للابتزاز في القاعات السويسرية، أو للمقايضة داخل أروقة المنظمة الدولية على مصطلح هنا أو مفردة هناك.
النصرة التي كان يراد لمرتسماتها من وكلاء السعودية وقطر وتركيا عبر ما يسمى جيش الفتح وأحرار الشام أن تكون على الطاولة في جنيف، تعود لتكون حاضرة بالأصالة عن نفسها على لائحة «الهدنة»، التي يسوّقون لها، وتركيا التي تفتح جراحات أدوارها على الملأ وما فيها من اعتداءات موصوفة مباشرة تتحدى الغرب والشرق، وتواصل تلك الاعتداءات، وبينهما يمر مشهد الميدان بتطوراته والإضافات النوعية وربما المفصلية على حواف تتقاطع حولها النتائج، غير مكترث بما تتفتق عنه آخر ابتكارات رعاة الإرهاب.
الطاولة التي ستنجز في يوم من الأيام مساراً سياسياً أو شبه سياسي لم تستكمل حضورها ووجودها، ستنتظر بإرادتها أو من دونها ما يفرضه ميدان متحرك، لا يصغي إلى ما تلعقه ألسنة مهزومة ومنابر تهتز على وقع المشهد المسجى على مسرح الاشتباك، وقواعده المتغيرة، ولعبته التي تبدل أثواباً وما ترتديه من حين لآخر ، وربما في لحظة لا تشبه التي تليها.
a.ka667@yahoo.com