ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلي قاسـم:
تفتح تدمر دفاتر الأيام القادمة، وتخط في سطرها الأول حكايتها من جديد، وقد أتعبتها أشهر الظلم والجور، بعد أن عبثت فيها يد التكفير الظلامي المتوحش،
وأوغلت فيها أذرع الحقد، وهي تحاول أن تنتزعها من بوابة التاريخ القادم، وهولت وبالغت ورسمت وحسبت وضربت بعد أن طرحت وجمعت وقسمت .
تدمر لا تكتفي هنا بتسجيل ما عبر وما ذهب، بل تدون ما هو متجذرعلى مساحة تمتد في سني التاريخ، وترسم من خلالها تجربة لم تزل تكررها مرارا حين كانت تنهض وتنفض ما علق، وتعيد ترسيم حدود المعادلات الناشئة، حيث تشحذ الأقلام مدادها والمنابر أصواتها بحثاً عن إضافات هنا وتعديلات هناك.
اليوم، ما يمضي ليس الزمن الذي وقف صامتاً.. ولا الوقت الذي يترنّح تحت ضغط التحولات التي كانت رهاناً حيناً، وبوتقة للتعويل على جرّ الجغرافيا، لتكون في حل من كل ما أحكمه التاريخ على متاريس تدمر حيناً آخر، وهي ترفض الغدر عنوة، وتكنس من مدارجها ربقة الإرهاب وما علق بها.
المسألة ليست انتصاراً عسكرياً فحسب، ولا هي انعطاف في السياسة أو تحول في الاقتصاد فقط، ولا مجرد تعديل في الجغرافيا، كما أنها ليست منحنيات للتاريخ الذي يلزم نفسه بخط آخر ما في سطوره الماضية، ليعيد رسم المعادلة القادمة، تدمر ليست فقط كل هذه المتغيرات والتعديلات على الخريطة وعلى الإحداثيات، بل هي فصل في معركة تتشظى فيها الأحداث وتتعرى على متاريسها كتب ومراهنات ومراسلات، وتكشف الكثير مما اختبأ في سطورها المنسية، وما كان قد رُحِّلَ، لتعيد النحت على الزمن الذي يجب أن يعيد توقيت ساعته الرملية المكتشفة من دون حسابات كثيرة، أو افتراضات متعددة.
الافتراض هنا يتلاقى مع الواقع، والجيش العربي السوري مع حلفائه وأصدقائه يعيد فرز ما اختلط وتوضيح ما التبس، حيث الحياد كما هو مستحيل في التاريخ هو كذلك في الجغرافيا، والانحياز بات واجباً مسلَّماً به بحكم ما أنتجته الإنجازات الميدانية في توقيتها ودلالتها، وما تحمله في قادم الأيام من تطورات تفتح المشهد على بوابات كان يُعتقد باستحالة فتحها أو أبدية إغلاقها المسكون بالوهم.
هكذا تعود الجغرافيا إلى رسم خرائطها وتحديد إحداثياتها، وهكذا يستعيد التاريخ موقعه الذي هجره بحكم فائض الضغينة والأكاذيب والفبركات والتهويل والمبالغة وكثير من الشماتة، ليعيد كتابة أوراقه ممهورة بما قدمته وتقدمه معركة تدمر من إضافات في العِلم العسكري، وفي الإرادة الفعلية للمواجهة والتحدي الحقيقي في اجتثاث الإرهاب المحمول على أكتف وأذرع وعقول تراهن وتعوّل على صفقاته المشبوهة.
لم يعد من المهم أن يعجز الأميركي عن الترحيب باستعادة الجيش العربي السوري لتدمر، وأن يتهيب النطق أو التعليق على ما تحقق، ولا أن يعلن موقفه ولا أن يكشف سواتر محاولاته المحمومة ولا أن يخفي خشية أدواته ومرتزقته من القادم ومن التحول والانعطاف نحو تاريخ آخر وجغرافيا معدَّلة وفق إرادة السوريين، والمستندة إلى قبضة الجيش العربي السوري ومساهمات حلفائه وأصدقائه، ووفق خيارات المواجهة المفتوحة حتى هزيمة آخر موضع قدم للإرهاب على الأرض السورية
ما سيُكتب عن تدمر يفوق ما كتب حتى اللحظة، ولن ينسى همجية داعش، وعمّا رمته فضائيات القتل من سهام واتهامات وما وضعته من توصيفات، لكن الأهم ما ستفرضه تدمر منذ اللحظة من متغيرات في تركيب المعادلات، وما تبنيه من حسابات تقوم على واقع لم يعد يأخذ بالإفتراض، ولا يقوم على الاستنتاج أو التحليل، فالتاريخ لا يمكن أن يُسلب ما دامت شواهد الجغرافيا لا تحتمل التعديل عنوة، مهما كان المتحول جديداً ولبوسه مضللاً، وستبقى سورية مع تدمر وبكل شبر فيها عصية على كل ما عوّل عليه رعاة الإرهاب وممولوه.
a.ka667@yahoo.com