افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
طريقا الحرير الجديدان (البري والبحري) شريان العالم الحي في القرن الحادي والعشرين، وسورية واسطة عقدهما، وانضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين، وهذا الانضمام سيعيد إحياء صورة العالم أيام طريق الحرير، التي كانت الصين وريده وسورية قلبه، مع كل ما لهما من مكانة حضارية ودور إنساني بارز، في الماضي والحاضر.
من الصين إلى سورية، يهدف طريق الحرير الجديد إلى تعزيز التعاون بين دول عديدة، فيربطها بطرق برية وسكك حديدية تسهل حركة انتقال البضائع والبشر، والتكنولوجيا، ورؤوس الأموال، والتبادل الثقافي، وسيفتح “الحزام البحري” آفاقاً بعيدة من التعاون بين الشعوب.
في عام 2013 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ المبادرة باعتبارها نوعاً جديداً من العلاقات النوعية بين الدول، وتتماشى مع الرغبة الشديدة لشعوب العالم، وانضمت 150 دولة و32 منظمة دولية إليها لتصبح أوسع منبر دولي، ولتشكل حالة دولية فريدة لعالم ما بعد “القطبية الأحادية” التي تحاول واشنطن الإبقاء عليها، وفرض قوانينها ورؤاها على الدنيا.
طريق الحرير الجديد يرسم عالماً آخر، مزدهراً، مستقراً، متعاوناً، خالياً من الحروب والأزمات، ومرسخاً للأمن والأمان، ويمهد لمرحلة بناء جديدة، تحترم الشعوب وحقوقها، واستقلال الدول وسيادتها ووجودها، وتحافظ على كرامة الإنسان وآدميته، بعيداً عن مخططات الشر، وتصفية الإنسان وقتله وهضم حقوقه.
صحيح أن طريق الحرير الصيني الجديد مصلحة صينية بالدرجة الأولى، لكنه أيضاً مصلحة لشعوب عديدة، وقد سبب لواشنطن، بإدارتيها السابقة والحالية، كل الهستيريا والجنون، وأزعج الغرب برمته، لأنه يحاول إعادة إنتاج اقتصاد قارات مترامية الأطراف بعيداً عن الهيمنة الغربية، وستصب منافعه في عصب اقتصاد الشعوب المنكوبة بالسياسات الأميركية.
طريق “الحرير” شراكة إستراتيجية مع منطقتنا العربية وبلدان “الشرق” كلها المتممة لها، شراكة أساس ركائزها النهج التنموي الذي تتبناه الصين عبر إحياء طريق الحرير القديم، وتشبيك العالم كله على مستوى الاقتصاد والتوازنات الجيوسياسية، انطلاقاً من المصلحة أولاً، وتعميم ثقافة الاستقرار والسلم والأمن الدوليين ثانياً.
“الحزام والطريق” إلى النجاح، وإستراتيجية “التوجه نحو الشرق”، التي تبنتها دمشق منذ سنوات طويلة، تتقاطع تماماً مع أهداف هذه المبادرة، فسورية، قلب “طريق الحرير” وواسطة عقده عبر التاريخ، وتقع على مفترق ثلاث قارات، وتتوسط العالم القديم، وقلب خطوط نفطه، وشريان حياته وطاقته، وهي، ومعها جوارها من الدول المطلة على المتوسط، الأقرب إلى القنوات البحرية الإستراتيجية الأربع (البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز)، والتي تمرّ عبرها معظم التجارة الصينية، وستشكل سورية الشريان الأساسي لهذه المبادرة، ليس اقتصادياً فحسب، بل على المستوى الثقافي والحضاري، فهي أم الحضارات العريقة، وهي تاريخ العالم المختزل.