ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
أوجز المؤتمر الصحفي لكيري ولافروف الذي أعقب اجتماع فيينا، ما استعصى على التسريبات أن تمرره وما صعب على الاستنتاجات أن تسهب به باعتبارها لا تكتفي عادة بنقل حرفية ما دار في الاجتماع، حيث لا يمكن للبيان أن يقدم في سطوره كل ما جرى، وليس باستطاعته أيضاً أن يوصل ما بقي طي الكتمان،
لكنه في الوقت ذاته أبقى أو ثبّت على الأقل الكثير من نقاط الخلاف التي حاول البيان أن يتغاضى عنها أو يتجاهلها، فيما ابتعد أو أشاح بوجهه عن أي مؤشرات للاتفاق على نقاط إضافية.
في المخرجات الفعلية لاجتماع فيينا التي يمكن استنتاجها من تضارب التقييمات، نجد أن الإبقاء على منسوب التفاؤل الحذر الذي سبق الاجتماع لم يكن متاحاً، وربما اصطدم بكثير من النقاط العالقة، حيث ما كان يشكل استعصاء في الماضي وحالَ دون تحقيق اختراق نوعي، بقي ذاته وفي الموقع نفسه، ومن الزاوية ذاتها التي أرخت بظلال من الشك على المصداقية الدولية من جهة وعلى مدى الجدية الأميركية بالتحديد من جهة ثانية.
فالأميركي الذي لم يمانع في رؤية أدواته في المنطقة، وهي تضخ كل هذا السلاح للإرهابيين بمشاركته أو من دونها، يمضي أغلب الوقت في تدوير زوايا الموقف، علّه يصل إلى المقاربة التي تحفظ ماء الوجه أو تخفف من منسوب الحرج لديه، وحين يعجز عن ذلك لا ضير في دفعة من الكذب على الحساب، كنوع من المقارنة أو الاتهام ،حيث أفضل وسيلة للتعمية يبقى التسويف والافتراء.
والأخطر لم يكن محصوراً في غضّ الطرف عن التسليح، بل أتبعه أيضاً برفض تحديد التنظيمات الإرهابية، التي بقيت ورقة تستغلها الأطراف الإقليمية الـمُشغّلة لتلك التنظيمات، إذ إن تعديل خرائط الوجود الميداني أو التسمية أو موقع الاصطفاف السياسي قابل للتغيير والتبديل بين ليلة وضحاها، وأحياناً بين ساعة وأخرى، في وقت لم تتردد واشنطن بالاستعداد اللوجستي وتسطير الرسائل المتباينة التي تميل في غالبيتها نحو التصعيد لطمأنة أدواتها ومرتزقتهم بوجود خطوات أخرى غير تلك التي تُعلن على المنابر، بما فيها الحديث قبيل ساعات عن عدد الأميركيين الحاضرين على الأرض، والذي لم يكن عفو الخاطر.. لا في مضمونه ولا في توقيته.
عند هذا التقاطع الحاد في المعطيات والذي يجعل أي مقاربة مجرد مجازفة في الوقت بدل من الضائع، إذ لا جدوى من الانتظار، ولا فائدة من التعويل على تفاؤل مرهون بتطبيق ما تم الإعلان عنه، حيث يدرك الطرفان والمجموعة أنه ليس للتطبيق، والدليل.. الكمّ الهائل من الخلافات التي طفت على السطح، بالتوازي مع الحديث عن تدابير تبدو هلامية، وإجراءات أقرب إلى التخدير الموضعي، بحيث تأخذ صفة المسكِّنات وفي بعضها المهدِّئات الموضعية التي سرعان ما تفقد مفعولها وتأثيرها.
وهذا يضيف إلى كفّة عدم جدوى الانتظار ما يضمن ترجيحها حتى إشعار آخر، حيث المعطيات التي تتدحرج على الأرض تكفي للجزم بأن التموضع في المربع الأول قادم، وهناك من لم ينتظر أن يجف حبر البيان حتى كان يطلق تمسكه بدعم الإرهاب، واستمرار تزويد منظماته بالسلاح، وكأن كل ما قيل وما سيُقال لا معنى له ولا دور، أو لا يعنيهم في شيء، حيث كان جبير آل سعود يطلق رصاصة الرحمة مسبقاً حتى على مسألة وقف إطلاق النار التي كانت بالمعيار الأميركي واحدة من بدائل حفظ ماء وجه اجتماع فيينا، وربما كانت في مرحلة لاحقة طريقاً أو أسلوباً للتسويف.
أميركا الذاهبة غداة فيينا إلى عرجها السياسي بحكم انشغالها بالتحضير للدخول في فترة السُبات الانتخابي المبكر، أعطت الإشارات الكافية بأن كل ما يجري في كواليس السياسة ومنابرها أو سيجري خلال الأسابيع القادمة يدخل في نطاق الاستهلاك الكلامي، وهذا يعني إتاحة الفرصة أمام التصعيد الميداني بوجهه الإرهابي، ولا نحتاج إلى تكرار سماع الأسطوانات السعودية المشروخة أو التركية وهي تنفخ في قربتها المثقوبة، ولا للأخذ بما يصدر من ترّهات فرنسية تراهن على المماحكة في ظل تمترس الإرهاب والإرهابيين خلف ظلال الضوء الأخضر الأميركي.
تتأرجح الاستنتاجات والاستفسارات وحتى التحليلات والقراءات حول ما نتج عن اجتماع فيينا، لكنها جميعها تكاد تتفق على نقطة أساسية، حتى لو اختلفت أو تباينت ومفادها الأساسي أنه لا جدوى من الانتظار لأن كل ما كان في فيينا هو إعادة تجميع ما سبقها مع بعض التعديلات اللفظية، التي ستزيد من متاعب التفاهم الروسي الأميركي أكثر مما ستساهم في تذليل ما يعترضه، حيث الحكم مرة أخرى للميدان والأولوية لمكافحة الإرهاب كما قالها الروسي، سواء انقشع غبار السياسة والاجتماعات واللقاءات سريعاً، أم بقي ورقة تستر لبعض الوقت عورات الأميركي ومن معه من أدوات إقليمية وإرهابيين، أو تابعين دوليين امتهنوا الصيد في الماء العكر، أو اللعب في الوقت بدل الضائع..!!
a.ka667@yahoo.com