ثورة أون لاين: هكذا كسب السوريون التحدي الاقتصادي خلال حرب الاستنزاف
دخلت حرب تشرين التحريرية عامها التاسع والثلاثين ولا زالت دروسها وعبرها تؤكد خصوصية الانجاز الذي حققته سواعد وبطولات قواتنا المسلحة الباسلة ومعهم جماهير شعبنا الأبي
الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والغيرية والتضحية والصمود في وجه الجيش الصهيوـ أمريكي فحطموا أسطورته، وكتبوا في تاريخ أمتنا المعاصر أروع صفحة لانتصار الحق على الباطل، وكسر شوكة العدو الغاشم إيذانا بانطلاق عصر الانتصار العظيم، واندحار منطق الهزائم الذي عشش في قلوب ونفوس العربان المستعربين، الذين ارتضوا لأنفسهم ولا زالوا، دور التابع والرهينة والأجير فاستحقوا غضبة شعوبهم ولعنة التاريخ.
حضور في الذاكرة والوجدان
دروس تشرين التي بقيت حاضرة في الذاكرة والوجدان الوطني التي نستحضرها هذه الأيام بقوة ما هي إلا الحافز الواثق الذي يعيد صقل الفعل الوطني الذي ترجمته قلوب السوريين الشرفاء تلاحما مصيريا وقوة ضاربة من الصمود والتصدي لأبشع حرب كونية تدور رحاها اليوم فوق أرضنا مستهدفة الجغرافيا والتاريخ والمشروع القومي المقاوم الذي نهض في زمن الخنوع وشمخ في زمن السواد العربي ، وحافظ على مواقعه قويا جبارا متمسكا بالثوابت القومية والوطنية وحق شعبنا العربي في حياة كريمة حرة لا مكان فيها للذل والهوان والاستلاب والرضوخ .
هذه الدروس تقدم الدليل الساطع على أن العدو هو ذاته مهما بدل جلده ولبس ما طاب له من الأقنعة وغير من أدواته وبدل من أساليبه لن يقبل بغير الهيمنة والاعتداء سبيلا لتحقيق مآربه في استعباد الشعوب الحرة وسرقة خيراتها .
معا نستذكر الدروس
من هذا المنطلق يأتي إحياء ذكرى حرب تشرين التحريرية اليوم لنستذكر معا صور التحدي والصمود ولنستعرض كيف كسب السوريون الرهان والتحدي الاقتصادي خلال أيام الحرب والمواجهات البطولية وما تلاها من حرب الاستنزاف التي لم تقل قسوة وخطورة عن سابقتها في امتداد لها وفيها سطر أبطال سورية من أبناء جيشها ملاحم بطولية خالدة في البر والبحر والجو وفي ميادين البناء الداخلي والتماسك الاقتصادي النادر الذي بدا فيه السوريون شعبا حضاريا راقيا لا تهزه الخطوب مهما عظمت ولا تفل من عزمه قوة غاشمة مهما كان حجمها ومحركيها وأدواتها.
عين على الحدود وسواعد للبناء
ما يمكن قوله أن السوريين عاشوا أيام الحرب بكل تفاصيلها عين على الحدود وأياد تبني الوطن وتدعم أركان جبهته في الداخل ، فالمعروف أن قرار الحرب لم يباغت السوريين فقد كان لديهم هاجس الدفاع عن سيادة الوطن وكرامته والإصرار على تحرير الأجزاء المغتصبة من رجس العدو الصهيوني وعودة الاعتبار بعد نكسة حزيران 1967 كل ذلك لم يغب يوما عن ذهن القائد الخالد حافظ الأسد الذي خطط وفكر واتخذ قراره الشجاع بالمواجهة .
من عاش تلك الأيام يتذكر بوضوح أن تحضيرات لوجستية كبيرة سبقت ساعة الصفر فكانت التعليمات حازمة وواضحة لجميع القطاعات بأن تستنفر كافة الجهود لمعركة التحرير ومثلها بالتأكيد معركة الصمود وتماسك الجبهة الداخلية حتى يتوفر لجيشنا الباسل الظهير المتين وهو يخوض معركة الوجود ببسالة أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء .
الواحد للكل والكل للوطن
وكان من أهم ملامح هذا الصمود في الجبهة الداخلية أن انضبطت مختلف فصائل الشعب ضمن مسارات واضحة لتقديم العون لكل من يحتاجه وبكافة أشكاله وكان الرغيف وغذاء المواطن الخط الأحمر الذي لا يجوز العبث أو التهاون فيه على الإطلاق وصدرت تعليمات واضحة لكافة الجهات بمنع الاحتكار والضرب بيد من حديد على كل محتكر أو متصيد للفرص أو مستغل لظروف المواطنين برفع الأسعار أو حجب المادة عمن يطلبها والأقسى من ذلك أن المواطن ذاته مارس دور الرقيب المسؤول لمنع ظهور مثل هذه الحالات ، فكانت المحاسبة الشعبية قبل القرارات الرسمية أو الحكومية وكان لها التأثير الأكبر في تكريس حالة التعاون والتعاضد بين مختلف أبناء الشعب دون تمييز في مواجهة معركة الصمود الداخلي حيث الواحد للكل والكل للوطن.
الخدمات العامة نقولها صدقا أنها أثناء الحرب توفرت بشكل ملفت وبكميات كبيرة لدرجة غابت معها الشكوى من فقدانها أو عدم توفرها كذلك فقد خف الطلب إجمالا على الكثير من الحاجات التي تركت مواقعها لما هو أهم في زمن الحروب فكان لها الأثر الايجابي على مجمل الواقع العام حتى أن الخلافات تلاشت بين الناس وازدهر التسامح بين أفراد الشعب عموما حيث اليد باليد والكتف مع الكنف للمساهمة كل من موقعه في دور يطلبه الوطن في مثل تلك الظروف .
بدوره الجيش الشعبي الذي لعب في تلك الأيام دورا مهما في تدعيم الجبهة الداخلية كانت مجموعاته تقوم بتوزيع الدقيق على الأفران التي ضاعفت من إنتاجها وزادت ساعات عملها ، كما ساهمت بتوفير المحروقات والخبز للمواطنين ومثلها المواد الغذائية إلى جانب المساعدة المباشرة مع الدفاع المدني حيث يتطلب الوضع وجودهم .
صور مختلفة كليا
يومها لم نكن نواجه محتكرين ولا ضعاف نفوس بالمعنى العام وإن وجدوا فكانوا قلة منبوذة من الجميع ولم نكن نواجه تاجرا فر بأمواله خارج الحدود ليضعف اقتصاد وطنه ، غير مكترث للمبادرات التي أطلقها شرفاء الوطن وفقراؤه من أجل دعم عملة بلادهم واقتصاد الوطن ، لم يكن هناك مراهنون ينتظرون بخبث حتى تميل الكفة في الاتجاه الآخر فيكونوا السباقين لكسب رضا أعداء الوطن والشعب ، هناك في تلك الأيام تقاسم الناس رغيف الخبز وما في الجيب فأكلوا من خير الوطن وحمدوا الله على نعمه ، لم يكونوا ينتظرون فرصة للهروب وإغلاق المصانع والورش ومواقع العمل الخاص وطرد عمالها, فالكل كانت عيونهم وأفعالهم تعمل لزيادة الإنتاج واستمرار عجلة العمل بالدوران .
نعم هو زمن الانتصار
تلكم بعض من دروس حرب تشرين وما تلاها مما سمي حرب الاستنزاف فبتلك الروح خاض شعبنا الحرب وبالروح ذاتها انتصرنا ففي سورية شعب يستحق الحياة ويعرف بدقة كيف يصوغ من جراحه النازفة لوحة صموده العظيم وكيف يصنع من نصره الآتي قلادة يزين بها صدر الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه الشرفاء وطن العزة والكرامة والانتصار بعون الله.فنحن بكل ثقة نعيش اليوم زمن الانتصارات ولا مكان في قاموس شعبنا للهزائم.
المصدر: جريدة الثورة