«الصبر» الذي نفد

ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لا يبدو الصبر الأميركي الذي يميل للنفاد -على حد قول كيري- وسواء نفت أميركا لغة التهديد فيه أم أبقت عليها، هو المعضلة الوحيدة في سياق المقاربة الأميركية المختلة منطقياً وواقعياً وسياسياً، بل توازيها على المنسوب ذاته ما نفد من مواعيد زمنية سبق لأميركا أن أعلنت الالتزام بها،

في وقت لا نعرف بالضبط من الذي نفد صبره على الآخر، أميركا التي تراوغ وتسوف وتماطل، أم الآخرون الذين يعانون من الإرهاب المدعوم أميركياً، أو على الأقل الموظف والمسكوت عنه وعمن يدعمه ويموّله.؟!!‏

اللهجة الأميركية لا تؤشر إلى مناخ يمكن التعويل عليه، ولا إلى مصداقية يمكن الركون إليها، خصوصاً حين تكون بصيغة التهديد والوعيد، وتقدم على الأقل ما يعزز القناعة بأن أميركا تحاول أن تداري فشلها في القيام بما هو مطلوب منها بالعودة إلى رفع الصوت والسقف، وهي مداراة لا تتوقف عند حدود الافتراض والتخيل، بل تصل إلى حدود البحث عن ذرائع إضافية لشراء الوقت.‏

بهذا المنحى تتجه المساعي الأميركية لخلق حالة من الاشتباك السياسي والدبلوماسي القائم على تعديل قواعد اللعبة الجيوسياسية التي تعتمد كعكاز يؤخر مشاهد المواجهة، ويبرد ما سخن منها لبعض الوقت الإضافي، رغم ما يحيط بها من مخاطر انزلاق لا تكتفي بما هو قائم بقدر ما تؤسس لمرحلة تواجه فيها خيارات، غايتها في نهاية المطاف إعادة المبازرة السياسية والمتاجرة بقضايا المنطقة، مدفوعة بتراكم في ادوات الإرهاب، وما أنتجته الإضافات الأخيرة من وجود أميركي وأوروبي مباشر، وإن كان في صيغ استشارية مشبوهة تكشف حجم التورط الغربي في الاستثمار بالإرهاب.‏

فإذا كان الحديث عن الصبر ونفاده ضرورة لا بد منها، فإننا نستطيع أن نجزم بأن العالم هو الذي نفد صبره على الممالطة الأميركية، وعلى سياسة الحرائق المتنقلة التي تقودها عن بعد أو قرب، ومنهج إدارة الخراب والدمار الذي يعمّ المنطقة على وقع التثاؤب المرير في التعاطي مع التداعيات التي تقود إليها تلك السياسة المغالية في حروب التوكيل والوكالة، وتحديداً ما يتعلق منها بمخاطر الإرهاب الذي لم تعد أميركا ذاتها بعيدة عنه.‏

الأدهى أن يكون التحذير الأميركي شكلاً من أشكال التصدير الإضافي للأزمات في سياق الدفع بالتهمة، بحيث يكون الهجوم وسيلة ناجعة للدفاع ومفضلة لدى الأميركيين للمواجهة على بساط تدرك أن الهروب منه نحو الأمام محكوم عليه وعلى نتائجه، حيث الحائط المسدود بانتظارها، وما عجزت عنه في سنوات وجودها كإدارة أميركية ولديها المتسع الكافي من الوقت لن يكون بمقدورها أن تعوضه، حيث لا مجال للتعويض إلا من خلال التصعيد للإفلات من إحراج الطوق الروسي المحكم القائم على مبدأ سحب الذرائع، بما فيها تلك التي تكون مبنية على الكذب والجور والمغالية في انتقائيتها وتضليلها.‏

صحيح أن الوقت الضائع يكون أكثر الأوقات حرجاً وإحراجاً، لكنه في سياق السياسة الأميركية وحضور الإدارة الحالية يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً استخدامه في سياسة التعويض، خصوصاً ما تبنيه على مفارقات حاضرة في سياق العد الحصري للأيام المتبقية لها، حيث رفع السقف الكلامي قد يؤخذ على أنه محاولة أخيرة لتحسين شروط التفاهم مع الروسي الذي يلوح بانتهاء حقبة سحب الذرائع، بعد أن مدد المهل المعطاة للأميركي من دون حصيلة حقيقية.‏

المغالطة الأميركية تبدو مزدوجة، فإذا كانت غايتها الضغط والتهويل فقد جربته مراراً وتكراراً ومن دون جدوى، أما إذا كانت محاولة أخيرة للابتزاز سياسياً فنعتقد كما يعتقد الجميع أنها اجترت بما يكفي.. ولم يبقَ هناك ما يمكن أن تبتز فيه أو أن تساوم عليه، وفي الحالين فإن قوس الهروب المحكم الذي تحاول رسمه في سياق البحث عن ذريعة للتهرب من التزاماتها، يبدو حجة أقبح من الذنب ذاته.‏

في المحصلة فإن المشهد السياسي والميداني يتحضر للمنازلة على عتبة تحولات كبرى، لا تكتفي فيها لغة الخطاب الأميركي بإخفاء ما تبطنه خلفها، بل تحاول أن تصطاد حيث ذهبت إلى الموقع الخطأ وإلى المكان الخطأ، فقد نفد الصبر فعلاً.. لكن من التسويف والمماطلة الأميركية ومن الذرائع التي تسدل عليها طابع التورية الفاضحة في وقت لا تنفع فيه التورية ولا يفيد الاستدراك..!!‏

التراجع الأميركي وإعادة التوضيح أو التصحيح لا يغير في قواعد الاشتباك السياسي الناشئة، ولا يعدل من حجم التراكمات الإضافية التي ولدت إرثاً من القرائن على مسار أميركي، تقترن حساباته بالإرهاب، وتنشأ معادلاته وفق رؤية مشغليه، ويبني مواقفه واستنتاجاته على المغالطة حتى في قراءة كلماته..!!‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
العلاقات السورية الروسية .. من الهمينة إلى الندية والشراكة  الصحة النفسية ركيزة الرفاه الإنساني  حملة "فسحة سلام" تختتم مرحلتها الأولى  بفيلم "إنفيكتوس"   قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي