ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
بين «جيش» من المرتزقة الصغار ترعاه بريطانيا وبين «جيوش» المليشيا بالتوصيف الأميركي من «الإرهابيين المعتدلين» تتباين التوصيفات، وتتحول كلمة «جيش» إلى كذبة تشبه صانعها،
لكنها تتدحرج وسط تسطيح سياسي وإعلامي مرفق ببرنامج لا ينتهي من المفردات الخادعة التي تترنّح على وقع أكاذيب تتباين في حجومها ومساحة اتساعها، وإن كانت في نهاية المطاف تتحول إلى حروب عبثية كبرى تطحن ما تبقى من لغة المنطق.. بعد أن عملت على تغييب العقل تحت جملة من خطوات التسويف والتضليل.
فالمسألة أبعد من استدراج مصطلح يبدو مخادعاً وكاذباً حين يولد «الجيش الجرار» الذي يضم وفق المعلومات المتداولة مئتي مرتزق، وتكون له «هيئة عمليات» وليس من المستبعد أن يفتتح أيضاً «أكاديميات عسكرية» والرقم لا يزيد، بل يتراجع على وقع ما يفقده مع كل خطوة يتقدم بها، من دون أي أفق بتعويض مستقبلي، فيصبح التوقيت هو المعيار..والشعار المرسوم هو الغاية والمحاصصة أو المبازرة في فجوات الجغرافية المفتوحة على الإرهاب المصنوع أميركياً والمنسق بريطانياً.
فصورة المشهد ترتج أمام ضخ لا يتوقف من الأكاذيب التي تبدأ في معظمها صغيرة وسرعان ما تكبر، حتى إن مطلقها يكاد يصدقها ويأخذ ببعض تفاصيلها على أنها الواقع، والأخطر أن يتم البناء على ما استدرجته تلك الأكاذيب من صور بيانية تكاد تتحول في معظمها إلى حروب محضرة مسبقاً لتكون البديل عن الحروب الكبيرة، أو لتأخذ موقعها داخل تشكيلات «البروباغندا» الدعائية.
أكثر تلك الأكاذيب ما تم نسجه وترويجه عن التشكيلات والمليشيات التي يتم رسمها على مقاس المموّل حيناً أو الراعي حيناً آخر، أو على ضوء التوافق بين الاتجاهين لتصبح بين ليلة وضحاها جيشاً تحت مسمى إضافي، وفي أغلبها لا يتعدى بضع عشرات.. وفي أفضلها لا يتجاوز بضع مئات أو أقل، كما هو حال المرتزقة المدعومين بريطانياً يتقاطع مع ما يروَّج له في بعض وسائل الإعلام عن الرعاية الأميركية وإن لم تكن غائبة عملياً عن الاثنين معاً.
فالتنسيق بين البريطاني والأميركي لا يحتاج إلى أدلة أو قرائن، بل في أغلبه يجري وراء حساب من الصفقات السياسية التي يتم عبرها توزيع الأدوار والمهام وصولاً إلى التشكيلات، ولو اختلفت تسمياتها أو تباينت درجة تنوعها، فإن التبني والمتابعة ومن ثم المحاصصة تتم بشكل متوازٍ، وإن انتهى المطاف بعد كل هذه السنوات إلى نقطة الصفر، وفي بعض الأحيان إلى ما قبلها كما جرى في الفانتازيا الأميركية حول معارضة أوباما المعتدلة.
لن ندخل في نقاش حول مسلّمات باتت بحكم الأمر الواقع نتائج ومعطيات وأحياناً بيانات ومعلومات يتم الأخذ بها والتجريب وفقاً لمعاييرها ومقاييسها المختلفة، حيث البريطاني الذي كان دائما الطباخ السياسي للأميركي وأحد أهم سعاة البريد لترويج حروبه بات شريكاً على الأرض يتقاسم مع الأميركي لغة المستشارين للكذب السياسي، ومصطلح الجيش للترويج الهوليودي، في وقت لا يخفى على أحد حدود ومساحة المساهمة البريطانية مع الأدوار الإقليمية وتحديداً الأردني منه، حيث لندن تعيد صياغة حضورها خارج الاتحاد الأوروبي لتكون وريثاً مباشراً لحقبة الاستعمار التي يحنُّ إليها سياسيوها للهروب من الأزمات التي افتعلوها.
في الأكاذيب الصغيرة كما الكبيرة تبدو الحصيلة كوارث إضافية، والناتجة في معظمها عن بدائل عبثية تقود إلى هذا الترف غير المسبوق في إدارة الخراب والدمار ليكون جزءاً من منظومة إيديولوجية تغلب عليها صفة الاستعجال، وتقدم بدائل عجز وإفلاس واضحة، لكنها جميعها تتماهى مع الإرهاب وتعوّل عليه وتتكئ على منتجاته ليكون عكازاً في سياسة المقامرة التي تقود المنطقة والعالم إلى المجهول، وتحوّل الإرهاب العابر للحدود إلى مشهد قابل للتكرار حيث تريد أميركا أن توصل رسائلها، والإرهاب الذي يضرب في غير موقع ليس سوى عيّنة أميركية للحكومات الإقليمية، وإجراء احترازي مسبق من التفكير بالخروج على الطاعة الأميركية أو التوهم بتراخي قبضتها مع الدخول في بازار الانتخابات الرئاسية.
فالمشكلة التركية مع الروسي، كما هي مع دول المنطقة لم تكن خارج التدبير الأميركي، والفعلة التركية الرعناء كانت جزءاً من قرار أميركي تم تنسيقه مسبقاً بأبعاد وخيارات مزدوجة، والعودة عنه أو محاولة مسح آثاره أو التفكير بذلك يحتاج إلى موافقة أميركية مسبقة وضوء أخضر، وجيوش المرتزقة المعلنة منها والمخفية بتسمياتها المختلفة ليست خارج تلك الرسائل، والحديث الأميركي عن عدم علمه بالاعتذار التركي عينة مشوهة من الأكاذيب الأميركية الصغيرة في حروبها الكبيرة!!
a.ka667@yahoo.com