الثورة – رولا عيسى:
لم تكن علاقة السياسة بالاقتصاد يوماً علاقة حيادية، بل ظلّت محكومة بطبيعة النظام القائم. وفي زمن النظام المخلوع، تحوّل مجلس الشعب إلى أداة شكلية، تُستخدم لتجميل صورة السلطة وتبرير قراراتها، بدل أن يكون سلطة تشريعية ورقابية حقيقية توازن بين مصلحة الدولة والمجتمع.
واجهةٌ سياسيةٌ
وهنا يبرز السؤال: كيف أثّر ذلك على الواقع الاقتصادي؟ وكيف يمكن أن يكون دور المجلس في المستقبل؟.

في هذا السياق تقول الخبيرة التنموية الدكتورة سلوى شعبان أن مجلس الشعب والاقتصاد كمؤسسة تشريعية أصبح مجرد واجهة سياسية، لتمرير القوانين التي تصبّ في مصلحة السلطة التنفيذية أو النخب المتحالفة معها، وعانى غياب المحاسبة الحقيقية للحكومة، واحتكار القرارات الاقتصادية في مجالات الاستثمار، الخصخصة، الدعم، والتجارة. هذا الوضع أنتج نتائج مباشرة، بحسب الخبيرة التنموية، وأسفر عن فساد واسع بسبب تفصيل القوانين لخدمة فئة ضيقة، وساهم في إضعاف الإنتاج الوطني لغياب التخطيط الاستراتيجي والرقابة، وتآكل الطبقة الوسطى واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وبالتالي الوصول إلى اقتصاد هشّ وتبعي محكوم بعيد كل البعد عن الرؤية الاقتصادية.
أما لجهة الأثر على الواقع الاقتصادي سابقاً، رأت الدكتورة شعبان أنه انعكس كهدر واسع للمال العام نتيجة غياب الرقابة، ناهيك عن أن القوانين كانت مفصّلة لحماية مصالح نافذين، وبالتالي عمّقت الفساد والاحتكار، وذهبت أبعد من ذلك إلى فقدان ثقة المواطن بالاقتصاد والعزوف عن الاستثمار المنتج. ناهيك عن هشاشة اقتصادية أمام الأزمات الداخلية والخارجية، وانحدار مستوى المعيشة لمعظم المواطنين بفعل التضخم وضعف السياسات العادلة، وفقاً لرأي الخبيرة شعبان.
الاقتصاد مستقبلاً
وفي رد على سؤالنا..كيف يجب أن يكون مجلس الشعب ودوره في الاقتصاد مستقبلًا؟
هنا تقول الدكتورة شعبان: في حال أُعيد بناؤه بشكل صحيح، يمكن للمجلس أن يكون قوة داعمة للاستقرار والعدالة، وعليه لابد من دور فاعل في صياغة تشريعات اقتصادية عادلة تشجع الاستثمار وتمنع الاحتكار، ورقابة حقيقية على الحكومة عبر لجان متخصصة، وشفافية تفرض نشر البيانات الاقتصادية الحقيقية.

وتنوه الخبيرة التنموية إلى أهمية المشاركة المجتمعية من خبراء ونقابات وقطاع خاص في جلسات وقرارات مجلس الشعب، وتحفيز الاقتصاد المنتج بدل الاعتماد على الاقتصاد الريعي، بالتوازي مع تحقيق استقلالية نسبية عن السلطة التنفيذية ليقوم بدوره كسلطة تشريعية ورقابية. أما عن الأثر الاقتصادي والمعيشي لمجلس الشعب في حال أُصلح دوره، تشير هنا الدكتورة شعبان إلى أنه بالتأكيد سينعكس في تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الثقة الداخلية والخارجية بالاقتصاد الوطني، ومكافحة الفساد والهدر عبر الرقابة المؤسسية، وصياغة سياسات طويلة المدى تدعم الزراعة، الصناعة، التعليم، والتكنولوجيا، وإعادة بناء الطبقة الوسطى كركيزة للاستقرار الاجتماعي، وفتح الاقتصاد للمجتمع ليصبح أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ.
إحدى النقاط الأساسية من وجهة نظر الخبيرة التنموية المال الانتخابي والمبالغ الضخمة والعالية التي كانت تُقدّم من قبل الناخبين، إذ لم يكن يوضع هذا المال إلا ليؤخذ بأضعاف مضاعفة من المال العام حين الوصول إلى تحت قبة المجلس. وتتساءل إن كان هذا المال المدفوع في الحملات الانتخابية يأتي من محبة الشعب أو لتحقيق المصالح الشخصية وتلبية الأحلام الخاصة، وفي الحقيقة هذا ما كان قائماً عليه مجلس الشعب، وكل ما نأمله أن يراعي مجلس الشعب القادم نقاط الضعف هذه، وأن يكون هناك بناء حقيقي للاقتصاد ومراعاة أحوال المعيشة، لأننا نمر حالياً بحالة يقظة واستفاقة عما كنا عليه سابقاً، ونأمل أن تكون الأمور القادمة أفضل لأننا بحاجة للخروج من حالة الاختباء خلف الإصبع لاسيما وأن الفرصة متاحة في ظل الإدارة الجديدة للبلاد.
خلاصة القول
عانى سابقاً مجلس الشعب من ضعف وتبعية أنتجا اقتصاداً هشًّا وفاسداً وغير عادل، وغير مُلامسٍ للهموم المعيشية مما جعله منفصل في أدائه عن الواقع. أما مستقبلاً، فإن بناء مجلس فعّال ومستقل قادر على ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية بجدية، سيكون خطوة جوهرية لتحويل الاقتصاد من حالة التبعية والهشاشة إلى اقتصاد منتج، عادل، ومستقر.