ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يذع المندوب الروسي سراً حينما تحدث عن أن الخلاف داخل مجلس الأمن على تحديد التنظيمات الإرهابية لايزال قائماً ومستمراً، ولم يكن يتحدث في المحظورات حين أشار إلى الأسباب الفعلية التي تحول دون ذلك، بما فيها آلية عمل مجلس الأمن،
لكنه في التوقيت والمضمون يطرح أنموذجاً للحديث السياسي المؤتمن على الحقائق وصولاً إلى تسمية الأشياء بمسمياتها، في ظل تنامٍ غير مسبوق للإرهاب وداعميه وتصعيد في مواقف الدول الداعمة أو المساندة لـمُشغلي الإرهاب الإقليميين.
وفي الحالين ليس هناك من جديد وقد قالها الروسي غير مرة، واعترف فيها الآخرون أكثر من مرة، ولكنها في المقاربة العملية لجدوى الوقائع تعني ما هو أبعد مما في سطورها، أو تحتاج إلى ما هو أكثر مما ورد في طياتها، إلا إذا كان ذلك يعتبر نهاية المطاف في محاولة مجلس الأمن لتحديد التنظيمات الإرهابية وفق القرار 2254، وأن الصفحة حوله قد طويت راهناً أو تم ترحيلها أو تأجيلها إلى وقت لاحق، بما يعنيه ذلك من نعي حقيقي لمستوى الجهد المبذول داخل أروقة المجلس، وأن القرار الأممي الذي اشترط ذلك في بنوده بات من المنسيات أو في الحدّ الأدنى يعاني من عرج في مقاربته، وخلل لا يمكن أن يستقيم من دون إعادة النظر.
من الناحية العملية لا نعتقد أن أحداً داخل مجلس الأمن أو خارجه بصدد نعي القرار أو حتى تحييده، خصوصاً أن مكافحة الإرهاب تتصدر مواقف دول العالم قاطبة، وتستحوذ على الحيّز الأكبر من الأحاديث والاجتماعات، بل في بعض الأحيان تتحول إلى بند وحيد على طاولة الكثير من الاجتماعات المطولة واللقاءات المكثفة التي تجري في طول العالم وعرضه، ونقطة الاشتراك فيها ذلك القرار وما يجاريه أو يماثله من قرارات أممية لا تزال حبيسة أدراج المجلس وفي أفضلها رهينة الحبر الذي كُتبت به.
فما نسمعه عملياً هو أقرب إلى جعجعة ساسة ومسؤولين غارقين ومتورطين في دعم الإرهاب حتى آذانهم، ومنهم من يهدده طوفان الإرهاب باقتلاعه، وتكاد تلك الجعجعة تستأثر بالصدى القادم من مجلس الأمن ورجعه خارجه، وربما تكون الوحيدة المسموعة وسط سيل من التكهنات والاستنتاجات والمقاربات، في حين أن ما نراه وما نلمسه هو طحين الإرهاب، وهو الناتج الوحيد على حلبة المجابهة أو الحصيلة المتفق عليها.
بين الجعجعة المطولة والطحين المر تُطحن شعوب ودول في بعضها تحمل اللافتة ذاتها مكافحة الإرهاب، وفي بعضها الآخر تعتبر أنها تطحن من أجل مكافحة الإرهاب وفي ثالثة لا تريد أن تعترف بالإرهاب بل تضيف إليه ألواناً سبعة من الرديء إلى السيئ والأقل سوءاً وبعضها الجيد والأقل جودة، وبينها المنبوذ والمحمود، حيث تصطف التسميات على حلبة واحدة ويبدأ التوزيع الغربي بخطاب ممجوج لا يترك مجالاً حتى للنقاش في أولويات ومفاهيم غارقة في الهبل السياسي الذي بات عملة الساسة وهم يحصون خيباتهم أو يرتبون مراحل فشلهم حسب طحين الإرهاب المهدور من دون طائل.
على هذه القاعدة لم يعد الحديث عن جدية مكافحة الإرهاب يثير المرارة فحسب، – حتى لو صدر عن جهات وأطراف جادة فعلياً في ذلك، وتعمل وفق هذه المقاربة- بل تفتح الوجع الدولي على مفازات خطرة إلى حدّ لم يعد من الممكن التعاطي معه على أساس التجاذب السياسي وصراع الإرادات وما يولّده من حالات اصطفاف سياسي فقط، بقدر ما يشي بالحال التي يُرثى لها وسط سيل من التكهنات الكاذبة والمخادعة التي يصعب على العقل أن يتفهمها أو أن يجد مبرراً ولو شكلياً لها، حين يتعلق الأمر بتحديد التنظيمات الإرهابية والرفض المتكرر الذي لا يكتفي هنا بنسف المسار السياسي، بل يعطي للإرهاب مساحة إضافية لمزيد من طحين الجعجعة السياسية.
الأدهى أن يأتي العرض الأميركي للتعاون مع روسيا بعد تمنّع لأشهر خَلَت قاربت السنة ونيفاً، موازياً لتلك كجزء من فائض النفاق الغربي وبما يزيد عن حاجة الكذب الأميركي في جيوش ومجموعات وتجمعات وقوات أقرب إلى الفانتازيا وأخطر من بقع النار المتنقلة في هشيم المنطقة، حيث الطرح ليس مرفوضاً، بل يُشكل انتكاسة وعودة إلى الوراء تماثل الازدواجية الأميركية في مكافحة الإرهاب وتقارب دعوتها لأدواتها ومرتزقتها لمواجهته!!
وبينهما تضيع الاتجاهات وتفقد البوصلة حديث الجدوى، وسط ركام الطحين الإرهابي ومنتجاته التي تصطف على مسار البحث عن ملاذات تعيد النظر في مقاربات خرجت في لحظة غفلة وتريد العودة المسبقة إلى ساحة الجعجعة التي ينثر زبد حديثها أعاصير الاقتراب من لحظة المواجهة بين إرهاب بداعميه ومموّليه، وبين شعوب ودول وأطراف أيقنت أن المواجهة تتسع باتساع الاختلاف وتتعدد بتعدد الاجتهادات وتكثر مع كثرة التأويلات والتبريرات والذرائع التي تؤخر حسم المواجهة أو تؤجل بعض جبهاتها!!
a.ka667@yahoo.com