ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لن تستطيع لغة التبريرات ولا الذرائع أن تضفي الحد الأدنى من مسوغات الإصغاء أو حتى القبول بنقاش تفسيرات كاذبة ومخادعة حول أسباب اللقاء مع الإسرائيليين مهما يكن العنوان، ومهما تكن الحجج، فالمناخ السياسي المتماوج شرقاً وغرباً،
يجعل من أي موقف أو حَدَث مسألة غير خاضعة للمزاج السياسي فقط، بل يلبسها هوامش إضافية من الرسائل الخاطئة على أكثر من صعيد.
فالتجارب السابقة مع الإسرائيلي كانت على الدوام تقود إلى نتائج خاطئة واستنتاجات مغلوطة بتبعات لا تتوقف عند حدود اللقاء، بل تتفشى لتؤشر إلى ما يترتب عليها من سقوف إضافية تملي في أحيان كثيرة ما هو أبعد من اللقاء، وتعطي على الأقل فرصاً إضافية للإسرائيلي من أجل توظيفها لاحقاً، بحيث تكون متكأً لخطوات تعيد رسم المعادلات بالمقلوب، وينتقل الموقف الإسرائيلي بعدها من تطرُّف إلى حقبة أشد تطرّفاً.
وأي خطوة جاءت، ومن أي طرف كانت، لا يمكن أن تكون خارج ذلك السياق، خصوصاً مع التسريبات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية التي تتحدث بوضوح عن طبخات سياسية باتت جاهزة، سيكون عرّابها دول عربية وازنة، ولها دورها الذي لا يمكن أن يبقى سلعة في بازار المتاجرة السياسية، حتى لو حاول الآخرون ذلك، بما فيه العمل على إنشاء تحالف إقليمي تكون «إسرائيل» في صلبه، تقوده سياسياً وتموّله تلك الأطراف مداورة أو مباشرة، وما يحمله ذلك من تحولات خطيرة في مقاربات العلاقة مع الإسرائيلي، وإن الثمن المدفوع مسبقاً بالهبات والإعانات ليس خارج تلك المعادلات ولا الحسابات، حيث السعودية لا تستطيع أن تكون منفردة من دون غطاء وازن وبحجم مؤثر وفاعل، يؤمن لها الحصانة أمام العواصف التي ستهب في حال تظهير ذلك التحالف.
لن ندخل في مهاترات النفي المسبق، والرفض العلني أو الظاهري عبر وسائل الإعلام، وحتى داخل كواليس السياسة، بقدر ما سنتوقف عند أحاديث الساسة الإسرائيليين _ التي لا نصدقها نحن_ لنسأل: إن كان الآخرون لا يصدقونها، فلماذا يأخذون بها؟ أم هي فعلاً مجرد هرطقة في أحلام وتمنيات باتت تخرج إلى العلن كما يشاع في المداولات السياسية وفي أروقة الدبلوماسية الإقليمية؟ وعمّا إذا كان التفاهم التركي الإسرائيلي يصب في المجرى ذاته والقناة نفسها، وإن كانت بوابة العبور الفعلي تكمن في التسلق على الملف الفلسطيني ليكون أول المنسيات القادمة.
نعرف مسبقاً أن هناك الكثير من المتاريس السياسية والتخندق الدبلوماسي خلف مقولات وشعارات باتت بحكم التجربة المتكررة مجرد غطاء لأفعال تمارس خلف الكواليس، ويراد لها أن تظهر إلى العلن وسط هذا الخراب في المنطقة، وسيل الدمار الذي يحكم كل الاتجاهات، حيث تتبدل التحالفات وتتغيّر المعادلات، ونجزم بأنها كانت وستبقى مجرد تمنيات، حيث السياسة المحكومة بأحزمة ناسفة من المحظورات وسقوف تتخندق خلفها موازين القوى والأدوار بشقيها الوجودي أو الوظيفي ستبقى قائمة حتى لو خرج البعض من جلده.
إن المفاهيم الأساسية المتبدلة أو التي فرضتها التطورات العاصفة لا تعني التبدل الكلي في المعايير والمقاييس ولا تجزم بالنجاح في توليف الأدوار لتكون على مقاس تلك التحالفات المكتوب عليها الفشل، كما سبق لغيرها أن لاقت المصير ذاته في ذروة مناخ كان يميل أو يرجح كفّة القبول بها أو العمل بمقتضاها، وسياق التحول القادم لا يغيّر في المفهوم، ولا في الدلالة ولا المصير الذي طالما كان ينتظر كل من حاول ويحاول إنشاءه خارج سياق منطق التموضع التاريخي أو الجغرافي للمنطقة.
فالانهيار الكلي لكل التحالفات في السابق واللاحق منه مسألة محسومة، ولم يكن بفعل عوامل واضحة ومحددة فحسب، بقدر ما يعني سياقاً صريحاً وواضحاً لكثير من المعايير التاريخية والجغرافية المغرقة في أزليتها بحكم ظروف المنطقة والتطور الفعلي لوجودها، حيث الظواهر الآنية الخادعة والمظاهر المستجدة التائهة في سراديب التمنيات لا يمكن أن تكون بديلاً لحقائق المنطقة، حتى لو طغت لبعض الوقت مشاهد من الزيف السياسي، والتوهُّم العسكري الممزوج بلبوس من الأطماع الاستعمارية.
a.ka667@yahoo.com