ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
افترش وزير الحرب الأميركي موائد حروبه المنتظرة، وهو يجول بالمنطقة في ثلاث محطات، يعتقد أنها القوة الصلبة في مشروعه القادم، أو نقاط ارتكاز لتحالفات عدوان مقبل، ويعيد تفصيل الملحقات الهامشية، التي لم تصلها أقدام الزائر الأميركي حسب التعريفة الجديدة للحاق بالعصا الغليظة،
التي تهتكت أو كادت في أكثر من موضع، رغم أن بعض العواصم التي أغفلها من زيارته لا تخفي امتعاضها ولا تذمرها وهي التي بالغت وزاودت على الأميركي في تقديم العروض المجانية.
لم يقصّر المستضيفون في حفاوة الاستقبال، وإن تفاوتت أو فترت، فالأميركي لم يعتد أن تكون جولات وزير حربه مجانية أو من دون أن ترسم منحنى التحرك القادم، خصوصاً حين ترتبط بمزاج عام يدلل على أن الإدارة الحالية تستعد لترجمة بنك حروبها المعدة مسبقاً، وخوض غمار النقاش فيها كان خطوات استباقية لتحديد الأدوار والوظائف والمهمات وفقاً لمحددات وشروط باتت واضحة من دون أن يغيب عن الذهن دور النظرة الشخصية والذاتية لوزير الحرب نفسه، والذي لا يكل من إظهارها سواء كانت بمناسبة أو اقتضت الضرورة أن تكون من دون مناسبة.
لكن يبدو أن تلك الموائد ليست كل شيء، وما خفي منها كان محرجاً للأميركي في بعض جوانبه، فالمسألة لا تقتصر على ما تخطط له أميركا، بل ثمة محظورات إقليمية تجد فيها مصر على الأقل صعوبة واضحة، لا تخفيها بأن انتظامها داخل حلبة الحسابات الأميركية سيكون مكلفاً سياسياً، وهو ما تخشاه في ظل تداعيات تشعر القاهرة بأن دورها داخل تلك المنظومة يبعدها إلى حد بعيد عن التأثير والفاعلية، بل ويرتب عليها ما قد يكون من الصعب عليها أن تتحمل نتائجه ومنعكساته، وما تفرضه من تبعات لن تكون محصورة أو مقتصرة على الداخل المصري، بل سيكون لها دوائر ارتداد إقليمية، لا نعتقد أن مصر بوارد المغامرة فيها على الأقل في الوقت الحاضر.
غير أن ذلك لا يعني أن المحاولة الأميركية ستقف عند حدود التحفظ المصري، أو قد تأخذ بها من حيث المبدأ، بل ستمارس سياسة الضغوط حتى النهاية، وستدخل معها سياسة الترغيب والترهيب، مضافاً إليها عوامل ضغط قادمة من السعودي والإسرائيلي، لأنهم يدركون سلفاً أن أي شكل من أشكال العمل الإقليمي لا تكون فيه مصر سيبقى من دون فاعلية، وإن مختلف أشكال التحالفات المحتملة -ومهما تكن نوازعها أو ذرائعها- لا يمكن أن تجد ترجمتها على أرض الواقع من دون تفعيل الزاوية التي ستقف بها مصر، وهذا محسوم، سواء كان بالقراءة السياسية أم جاء اعتماداً على تجارب سابقة.
الفارق أن عوامل الضغط والتحفيز تبدو محمولة على عوامل تفجير ذاتي، حالها كحال مشروع الحرب الذي يروّج له الأميركيون وهو ما تعرفه الإدارة الأميركية جيداً، كما سيلمسه وزير الحرب الأميركي في جولته هذه، فالحماسة السعودية لمشاريع الحرب تلك تمويلاً وتجميداً لا تعني أبداً أن المعطيات والظروف صالحة لحقبة التهور الأميركي، وهو ما ينسحب أيضاً على مشهد التحريض الإسرائيلي ذاته، وأن بذور الفشل ذات منشأ عضوي وبنيوي من تركيبة التحالفات، كما هي ذات أبعاد موضوعية ناتجة عن عوامل وأوراق قوة في الكفة الأخرى، ستجعل أي مغامرة محفوفة بارتدادات لا أحد يستطيع أن يضمن حدودها ولا المساحة التي تشغلها، حتى لو أعادت أميركا تصنيع تحالفات تحت شعارات طائفية كاذبة وخادعة من قبيل الاعتدال الذي بات يثير مقتاً إقليمياً وبالتجربة .
بين التردد المصري الذي يصل في بعض مستوياته إلى حدود الرفض أو التحذير من عواقبه وأحياناً النصيحة ببدائله، والتكالب السعودي الإسرائيلي المحموم تتشكل المعادلة القادمة لحروب أميركية لا تنتهي، سواء جاءت بالوكالة أم اقتضت أن تكون بالأصالة عن ذاتها، وإن بدت كفة الترجيحات الموازية ترجح تريثاً أميركياً ترسمه مخاطر ما تواجهه المغامرة الأميركية، خصوصاً حين ترتبط بمشاريع حرب يتكفل بتسويقها مستشار ترامب في شبه الجزيرة الكورية وشرق آسيا عموماً، التي بدت هي أيضاً في طور الانكماش على الأقل في التصريحات التي خفت ناريتها.
وحتى تنتهي جولة وزير الحرب الأميركي تبدو الشهية الأميركية مفتوحة على خط رسائل متباينة ومتناقضة في الهدف والاتجاه والمستهدف، وهي تواجه معضلة العقم الذاتي والموضوعي الناتج عن تراكم ما توافر لدى وزير الحرب ذاته من تفاصيل تعبر عن هشاشة ما ينتظره الأميركي، وما يعوّل عليه من أدوات وركائز تهتز من الداخل، ويواجه كل منها ما يكفيها من عوامل تأزم ذاتي، لا بد ان يكون الوزير الأميركي قد لمسها وعرفها، أو على الأقل أدرك عبثية الرهان على بيع الأوهام وشراء مستحقات مدفوعة الثمن مسبقا ..!!
a.ka667@yahoo.com