ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
طوت آستنة صفحة جولتها السادسة، لكنها لم تطو أوراقها ولم تسحب دفاترها المفرودة من التداول وإن أحالت بعضها إلى الرفوف الجانبية، ولم تنهِ بعد الكثير من التداعيات التي سترسم إلى حد بعيد المزاج العام،
وقد تقدم الإجابة على الأسئلة المؤجلة التي طرحتها جملة من التحديات المحيطة بها سواء تلك التي سبقتها أم رافقتها أو حتى التي تلتها، خصوصا أن بعضها سيبقى إلى زمن طويل معلقاً بمدى قدرة آستنة والضامنين فيها على وضع الآلية التنفيذية التي تحول دونها عقبات كثيرة قد تطول أكثر من قدرة آستنة على البت فيها.
فالواضح أن المعايير السياسية لما نتج عنها تدخل في سياق البحث عن النقاط التي سجلتها، ولا سيما في ظل تقييمات تبتعد بهذا القدر أو ذاك عن ملامسة جوهر ما ترمي إليه، وعن مضمون ما انطوت عليه المقاربات الكثيرة التي حاول بعضها على الأقل أن يعكس تمنيات متناقضة في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، حيث الشروحات والتفسيرات المتناقضة لها تشي بقدر كبير من الغموض وتضيف إلى ما هو قائم المزيد من مصاعب الطريق الذي ستسلكه في نهاية المطاف.
آستنة تخرج في نسختها الجديدة التي كان يفترض أن تكون نهائية حول مناطق خفض التوتر وفق تصور القائمين عليه، من دون أن تتمكن من تحديد مجموعة من المرافقات السياسية والإجرائية التي تتطلبها نقاط الاتفاق، ويضاف عليها الكثير من الاستفسارات التي تطرحها نقاط الاختلاف، في ظل صيغ تبدو حمّالة أوجه، وتسريبات تهدف إلى نسف جوهر آستنة وما ترمي إليه، فكان لا بد من التوضيح الذي خرج به بيان الخارجية السورية مع إعادة التأكيد على ضرورة الأخذ بما تم وليس بما يتمناه البعض أو يراهن في وقت بدت جميع الرهانات خاسرة وأولها من كان يمني النفس بإمكانية الاصطياد في الماء العكر وحتى نهاية المطاف.
عند هذه النقطة تتوضح ملامح محددة في الصيغ المطروحة التي تعيد النقاش إلى موضعه الصحيح على أنه سياق توصلت إليه المقاربات المختلفة لكنها على المقلب الموازي تحتفظ بكامل المحددات التي تضمن على الأقل عدم خروج المشهد من تراتبيته المعهودة، وتمنع الانزلاق خلف مكونات تفصيلية تزيد من ضبابية المشهد وتراكم التعقيدات في تفاصيله، مما استدعى في الحد الأدنى إعادة تصويب المشاهد المرافقة لتكون على مستوى الطرح أو في الحد الأدنى تحول دون الخروج عن نطاق الهدف الذي حددته آستنة منذ البداية، حيث المحاذير تبدو من الخطورة التي تدفع إلى ضرورة الحزم في مسألة التركيز على المحددات الأساسية.
بهذا المعنى يبدو جلياً أن لا أوهام حول آستنة ولا تورمات في سياق الأفق الذي ترسمه، والحدود التي تصطنعها بحكم الأمر الواقع، وإن مساحة النجاح أو الإخفاق لا تتعلق فقط بمسلمات النتائج الحصرية التي تقود إليها، وإنما بالمآلات التي تتراكم يميناً وشمالاً بحكم الكثير من التداعيات المرافقة التي يحاول البعض التخفي من خلالها وراء إصبعه أو أن يحجب الشمس بغربال من الأكاذيب والتوهمات الناتجة عن ضعف واضح في قراءة مساحة المتغيرات وحجم التبدلات في المقاربة السياسية على ضوء المستجدات المدنية، وإن ما كان يصلح للطرح في ظرف مضى لم يعد مقبولاً إعادة التفكير بطرحه، كما أن التعويل على الاستثمار في الإرهاب لم يعد مجدياً ولا مقنعاً.
تحت هذه العناوين تجدد آستنة جزءاً من دفاترها المعلقة، لكنها تستبعد الكثير منها ومن الأجندات الخاضعة لها، وتستبدل بعضاً من أوراقها القديمة وتطرح على الطاولة بدائلها التي لا تقبل التأويل وتصح معها إعادة التصويب على النقاط الحقيقية التي أساسها وجوهرها وحدة الأراضي السورية ومواصلة مكافحة الإرهاب والاستمرار بمواجهته داخل مناطق خفض التوتر وخارجها، وهو ما يعيد طرح الأسئلة الجوهرية الملحة: أي دور وأي مشهد يمكن للسياسة التركية أن تخوضه؟ والأهم كيف لها الموازنة بين دورها الضامن لاتفاق خفض التوتر وبين دورها الداعم للإرهاب الذي يفيض في كل الزوايا المعلنة منها والمستترة؟، فما عجزت عنه بالإرهاب لن تطوله بخفض التوتر أو برفع الغطاء عن مرتزقتها -بالنصرة- أو من دونها.
a.ka667@yahoo.com