ثورة أون لاين – ياسر حمزة:
نقدم أنفسنا بأننا أهل الكرم والجود دون شعوب الأرض… وأننا نبذل الغالي والرخيص للفقراء والمساكين، لكن عندما نخضع للامتحان الحقيقي أو التبرع الحقيقي نجد أنفسنا في مرتبة متأخرة عن شعوب الأرض…
أي أن ثقافة التبرع لدينا تقتصر على التبرع بالمأكل والمشرب والملبس، اذا حصلت , أما ثقافة التبرع المنتشرة في دول العالم فهي أعمق وأشمل منها التبرع بالأعضاء أثناء الحياة أو التبرع بالأعضاء بعد الممات/ القرنية/ مثلاً..
فلا بنوك للأعضاء لدينا، وإن وجدت فلا متبرعون، رغم موت آلاف مرضى الكلى سنوياً بسبب عدم حصولهم على كلية من متبرع آخر مثلاً…
أو فقدان الآلاف لأبصارهم لعدم حصولهم على قرنية من متبرع قد مات.
لنجد أن هذه المشكلة قد تم تجاوزها في أغلب دول العالم نتيجة ثقافة التبرع لدى الناس هناك.
ومن النادر أن نسمع بخبر عن التبرع الثقافي، أي إن كاتباً ما أو باحثاً تبرع بمكتبته إلى جهة ما..
بل تصل المكتبة إلى ورثة هذا الكاتب بعد وفاته لتباع على الأرصفة للجهل بقيمتها الثقافية..
يتحدث تحقيق صحفي نشر في احدى الصحف الامريكية ان معظم مجموعات «المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي»، كما هو الحال في غيره من المتاحف الأمريكية، وحتى الأوروبية، قد تشكَّلت من تبرعات أفراد، فضَّلوا وضع ما يملكونه بين أيدي مجتمعاتهم، لا الاحتفاظ بها في خزائنهم .
وان الصائغ الشهير هاري ونستون، على سبيل المثال، تبرَّع بأكبر ماسة زرقاء في العالم لمتحف «سميثونيان»، الذي قام أساساً في القرن التاسع عشر على تبرع بالنقد وبكنز من الحجارة من العالِم البريطاني جيمس سميسون. ومن يزور هذا المتحف اليوم، يكتشف أن معظم ما فيه قد أتى عن طريق التبرعات..
الأمر نفسه ينطبق على متحف «ناشيونال غاليري» في واشنطن، الذي تمكَّن في أقل من قرن واحد من الزمن من تشكيل مجموعة من أعمال كبار الفنانين العالميين تنافس أكبر المتاحف الأوروبية في أهميتها، بما فيها مجموعة أندرو ميلون الشهير التي يستحيل تقديرها بثمن.
خبر تبرع رجل الأعمال الأمريكي ليونارد لودر بمجموعته من اللوحات التكعيبية التي تقدَّر قيمتها بنحو 1.1 مليار دولار، لمتحف الفن الحديث في نيويورك. والامثلة كثيرة .
لماذا ثقافة التبرع غير موجودة في العالم العربي ؟
ما الذي يمنع الذين يمتلكون كنوزاً من التحف الفنية من التبرع بها أو حتى إعادتها للمتاحف، بدلاً من الاحتفاظ بها، حيث لا وظيفة لها غير تأكيد المكانة الاجتماعية لصاحبها، و«تفوقه» على محيطه المباشر؟
ومتى تتجذر فينا ثقافة التبرع الحقيقية كما الاخرين في دول العالم ؟