ثورة أون لاين – ديب علي حسن:
على الرغم من أن الكثيرين منا، مازالوا يعيشون في غياهب القرون الماضية، يشدهم موتى رحلوا منذ قرون، يختلفون حولهم، قالوا وفعلوا، ومن من حيث الرقدة الأخيرة يديرون الكثير من حيواتنا، من كتب صفراء،
أو خضراء لايهم، هم فعلا أكثر قدرة على الفعل والتوجيه من خلال ما نقل عنهم، سواء أكان صحيحا أم لا ……وبالتالي يعني هذا أننا لا ننتبه إلى أن ثعابين الحبر قد تكون قاتلة ذات يوم، وحبر نسفحه اليوم قد يكون خطرا على القادم من أجيالنا ..ولكن للأسف تركنا من يسفح الحبر عنا بمكان آخر ويسجل عجزنا، ويكتب تاريخنا القادم …
هل تظنون الحرب المسعورة التي ستدخل عامها الثامن بعد أيام لم تكن ممتدة الجذور من قرون الموتى إلى لحظات الحاضر إلى الغد القادم، أليس ثمة أعداء حضروا وأتقنوا التحضير، نبشوا كل كهف مظلم في تاريخنا، ومقابرنا، ودفعونا أو دفعوه إلينا، ونحن من نعيشه، فجاء الحقد الأعمى، بل تم تصنيع أحقاد ونبش ضغائن ودفع بها إلى أن تكون سيوفا تجز رقابنا…
الماضي الذي يفتك بنا، سيكون له شبيه في الغد الذي تمتد جذوره من الأمس إلى اليوم، ليكون أبناؤنا ضحايا المقابر وثعابين حبر تنفث سمها، الغرب ومال الأعراب يعدان العدة لهذا، ينشرون ويكتبون ويصدرون الكتب والمجلات، وكلها سمّ أسود على سورية، حبر الورق، حبر الصحف، لا ضجيج الفضائيات …الحبر هو الديمومة التي تعني أنها وثيقة ضدك، وثيقة عليك ولن يكون بمقدورك أن تلغيها، أن تحذفها كما العالم الافتراضي ذاكرة الرماد بكبسة زر يمحى كل شيء…
في سورية يغرم الكثيرون من مسؤولينا بالمواقع الإلكترونية وصحافتها، لعلهم يعرفون أنها لحظات آنية تذهب إلى غير رجعة، وإذا بقيت فليس أكثر من شهر، وفي أحسن الأحوال لنقل: عاما كاملا، لكنها إن عاجلا أم آجلا ستزول، أما الحبر فهو الحفر على صفحات التاريخ…
في الحرب العدوانية على سورية، كلنا مقصرون بالتوثيق الورقي، لا وثائق إلا القليل من الكتب والصحف السورية التي تحارب بالكثير من الأحيان من قبل أهل الدار قبل الأغراب، بل ماذا يريد الأعداء أفضل ممن كان يعمل ضد ذاكرة بلده وحبرها، ونبضها…؟
مرات، ومرات كتبنا: وثقوا، اكتبوا ولتخرج عشرات الصحف والمجلات، ليكن الحبر على الورق وثيقة على خد الزمن والتاريخ، لكن لاحياة لمن تنادي، مغرمون بالعالم الافتراضي، وقبله بنجومية الاستعراض أمام شاشة التلفزة…
ربما لو كان لدى سورية ألف كاميرا تلفزيونية لتم إشغالها كلها دفعة واحدة، ولاسيما أن الكثير من المسؤولين إذا عطسوا يحتاجون إلى توثيق تلفزيوني، ناهيك عن …
يوما ما، وهو ليس ببعيد ثمة من سيبحث ويكتب ويؤرخ لسورية والحرب العدوانية عليها، وقد فعلوا، لن تكون الصورة التلفزيونية مستنده على أهميتها ولن تكون منصفة لنا، لابد من العودة إلى ما خلده الحبر، المؤرخ المنصف سيعود إلى وثائقنا (كتب، صحف، مجلات…)
فكم هي الوثائق الورقية التي سيجدها؟ أما على المقلب الآخر من حبر العدوان، ألن يجد تلالا من العناوين …ألن يكون أمام ما هب ودب…وكله ينضح كذبا ورياء ..؟
لا أدري لماذا تحضرني تلك الحكاية التي تقول إن رجلا أراد أن يفتعل شجارا مع زوجته، فلم يجد سببا مباشرا، لكن تفتق ذهنه إلى سؤال زوجته: أين الطاولة الصغيرة ؟؟؟؟ أجابت مسحتها ووضعتها قرب الكبيرة فرد: ومن قال لك أن تمسحيها على غبارها كنت دونت رقم صديقي…
أيها السادة: ندون تاريخنا بدماء الطهر، فلا تبخلوا من أجل ذاكرة الخلود…ذاكرة الغبار ليست لنا، نحن الخلود…