ثورة أون لاين :
بين المصدق والحالم وقد تعثرت الكلمات بركامات الوجع والحزن والندم.. حدثنا الدكتور المهندس ( س. ف) والد الطفل الضحية ( ع . ف ) عن لحظات ما قبل الحادثة المؤلمة التي أصابت ابنه الوحيد الذي قضى ضحية لعبة الكترونية يتم تطبيقها عن طريق الموبايل تسمى لعبة ( الحوت الأزرق) التي لا يزال كثير منا يجهلها حتى اللحظة…
خلف أبواب غرفته الموصدة
تبدأ حكاية الطفل ( ع.ف ) ذي الأربعة عشر ربيعاً بحسب ما يرويها لـ (الثورة) والده.. وهي حكاية كل طفل ومراهق .. حكاية ليست كالحكايات التي نسمعها، بطلها وضحيتها الطفل ع.
قد يكون الطفل (ع. ف) هو الضحية الأولى لهذه اللعبة المميتة في سورية، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخيرة إن لم نسارع جميعا الى أخذ الحذر والحيطة، وها نحن كإعلام ندق ناقوس الخطر، الضحية التي سوف تضاف الى ضحايا استهداف الغرب لأطفالنا ومجتمعاتنا.. هو ضحية الغزو الالكتروني الذي بات يحتل مساحات كبيرة داخل أسرنا وعلاقاتنا الاجتماعية الى درجة انه بات جزءا لا يتجزأ منها.
الأب المفجوع
حكاية الطفل المجتهد الهادئ بدأت كما يرويها لنا والده الدكتور المهندس (س) منذ نحو خمسين يوماً( هي العمر الافتراضي للعبة الحوت الأزرق) عندما بدأ طفله بالانعزال شيئاً فشيئاً وبدأ سلوكه المعتاد وحالته الطبيعية بالتغير والتبدل، حيث أصبح كثير الانطواء والتذمر والامتعاض من كل شيء، وغدا يوصد باب غرفته ويحمل جواله معه أينما ذهب حتى عند ذهابه الى الحمام، ويضيف والده أنه لاحظ في إحدى المرات جروحاً على شكل خطوط على ذراعه وكأنها مجروحة بالشفرة وعند سؤاله عن ذلك أجاب بأنه وقع في المدرسة.
لكن الامر لم يتوقف هنا يتابع ( الدكتور س) بل تكررت هذه الحادثة مرة ثانية عندما لاحظت بعض الجروح على شفتيه وعند سؤاله كان يعطي مبررات وذرائع واهية وغير مفهومة، إلا أن الحقيقة كانت شيئا مختلفا تماما، حيث كان طفله ينفذ أوامر اللعبة التي تطلب منه على مدار خمسين يوماً أشياء غريبة ومؤذية تنتهي بالطلب منه إنهاء حياته بالطريقة التي تختارها له تلك اللعبة.
والد الطفل أكد لنا أنه لم يسمع بهذه اللعبة بتاتاً، ولو كان عرف بها لكان أنقذ طفله من براثن الموت، لكن موبايل وحيده أفشى سره الغامض الذي شكل صدمة كبيرة له ولوالدته.
الأم بين صدمة الواقع وكابوس الحلم
.. وبين صدمة الواقع وكابوس الحلم، تكتب الام مفردات وجعها على دفاتر وحيدها التي لاتزال تنتظر عودته من المدرسة حتى يتناول معها طعام الغداء .. أمه التي لا تزال تغرق بدموعها، وهي تحتضن ثيابه وتشتم رائحته في أرجاء غرفته التي بدت شاحبة وحزينة على فراقه، أمه التي لا تزال تنتظر بزوغ الفجر وقد حضرت الطعام وهيأت نفسها لوداعه عند الباب الذي لم يفارقه قلبها حتى عودته .. وهل سيعود وحيدها.؟!.
في تفاصيل الحادثة تروي والدة الطفل (ع) آخر لحظاتها المروعة مع وحيدها عندما دخلت غرفته مساء الجمعة 2 اذار الجاري، حيث فوجئت به معلقاً بحبل مشدود على عنقه ، لتسارع مع والده الى إنقاذه إلا أنه كان قد فارق الحياة منذ ساعة واحدة.
وتضيف والدته أن ابنها كان خلال الأيام التي سبقت انتحاره شديد التعلق بالموبايل، وكان يجلس في غرفته كثيراً ويوصد بابه ويبدي انزعاجاً كبيرا في حال حاولت الدخول أو حاولت الإمساك بهاتفه .
ماذا تخفي الأبواب الموصدة ..؟
ما سبق يدعونا كأهل إلى اقتحام تلك الأبواب الموصدة التي يخفي أبناؤنا خلفها أسرارهم وأحلامهم الكبيرة، هي دعوة لتحطيم أقفالها لا من أجل تحطيم وسرقة احلامهم بل من أجل حمايتها وصونها وحفظها لهم.
.. هي دعوة لإنقاذ أطفالنا من وحوش المجهول قبل ان يقدم على افتراسهم عندما تحين الفرصة المناسبة، هي دعوة لاحتضانهم وملامسة همومهم واوجاعهم والانفتاح عليهم ومحاورتهم ومتابعة كل مايقع في أيديهم.
المفاجأة الصادمة
لملامسة الواقع أكثر قمنا بالتجوال على عدد من المدارس حيث التقينا بعض التلاميذ والطلاب والاهل، إلا أن المفاجأة التي كانت صادمة لنا تكمن في الإجابات التي سمعناها من الطرفين، الأبناء من جهة، والاهل من جهة أخرى، ذلك أن معظم الأطفال والمراهقين الذين التقيناهم كانوا على دراية ومعرفة كاملة بـ ( لعبة الحوت الأزرق) إلا أن إجاباتهم تفاوتت بين من يخشى تطبيقها وتحميلها، وبين من لا يجد الفرصة لذلك لأنه لا يمتلك موبايلاً خاصا به أو موبايلاً حديثاً لتحميلها، وهذا ما أكده لنا محمد قاسم (بكالوريا) ومحمد الحاج علي (صف سابع ) وريهام العلي (صف تاسع ) وخالد مصطفى ( صف سادس) وعلي حناوي (صف عاشر) وسامر توبة ( صف تاسع ) ودانيال مرعي (صف سابع ) وأسامة حسين (بكالوريا).
بالمقابل فإن جميع الأمهات والآباء الذين التقيناهم كانوا على جهل تام بتلك اللعبة المميتة، وهذا ما أكدته لنا السيدة ام محمد عبد الحي، والسيد حسين الكردي، والسيدة خديجة احمد، والسيد نور أبو شامة والسيدة أم روان.
رأي علم النفس
لمقاربة تداعيات وأبعاد وأخطار هذا الموضوع من وجهة نظر علم النفس ، التقينا بالدكتورة نعمت الداهوك المدرّسة في كلية التربية جامعة دمشق والمعالجة النفسية وعضو الجمعية السورية للعلوم النفسية، والمدربة المعتمدة في مجال تطوير الذات لدى مركز البناء الإنساني حيث قالت داهوك في معرض سؤالنا عن خطورة الألعاب الالكترونية على الأطفال والمراهقين : إن معظم الأمهات اعتدن- في خضم مشاغلهن اليومية – أن تفتح التلفاز وتضع أمامه الطفل وهو في أشهره الأولى، فيُشده ذلك للألوان والحركة والموسيقا الصاخبة، ينصت، مأخوذ اللّب، وهكذا يدمن الركود في مكانه فترتاح الأم لثبط نشاطه وقلة حركته، وتضمن هدوء ونظافة البيت، ومع الوقت تتطورالمشاهدة التلفازية إلى اللعب عن طريق التلفاز أوالكمبيوتر أو تلك الألعاب الالكترونية التي انتشرت دون رقابة الأهل والجهات المعنية، دون وعي وتنبّه إلى خطورة وقف نموه بهذا الشكل القسري، وتضيف داهوك أن الطفل ينمو من خلال الحركة والنشاط، وليس من خلال التلقي السلبي للمعلومة دون أن يكون فاعلاً في مجرياتها وأحداثها، مما يؤدي إلى تعطيل قواه، واضطراب نمائه الحسي- الحركي، وكذلك العقلي والاجتماعي، هذا في الحد الأدنى من الخطورة.
اما عن الحد الأعلى من الخطورة تقول داهوك أن هناك خطورة أكبر على الخلايا الدماغية للطفل وطريقة تفكيره فالأهم في التربية هو تربية سلوكه الأخلاقي، فإذا لم تكن الألعاب مدروسة، و متابعة من قبل اختصاصيين نفسيين وتربويين قبل وصولها إلى وعي الأطفال عندها تكون تلك الألعاب قد أصابت مقتلاً ،وشلت تفكير الناشئة وحدت من قدراتهم على المحاكمة العقلية الصحيحة، وذلك من خلال بثها رسائل ماتحت الشعور، التي تنفث سموم الفكر الهدام، التسلطي ، المنتقم من خلال أبطال هذه الألعاب التي غالباً ما تكون حلولهم وآراؤهم شريرة وأكثر ما تحض على مفاسد الأخلاق كالسرقة والقتل والانتحار والهدم، مما يدق ناقوس الخطر على مستقبل أبنائنا الذي يشكلون جيل الغد وأمل الأمة.
الحلول والعلاج
وعن الحلول الاستباقية التي يجب على الاهل القيام بها لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة بينت داهوك أن هناك جملة من الأمور التي يتوجب على الآباء والامهات القيام بها للتصدي لتلك الظواهر التي تنتشر كالنار في الهشيم بين أطفالنا، اول تلك الأمور هي الحضور والمتابعة الدائمة لألعاب أطفالهم والتردد المتكرر لغرفهم وعدم تركهم منعزلين وحدهم لساعات طويلة، والانتباه الى تلك التغيرات السلوكية والجسدية التي يمكن أن تطرأ عليهم لأنها تخفي خلفها الكثير، وكذلك معرفة من يصادقون في المدرسة والشارع.
الحوار الهادئ والآمن ومحاولة استشفاف همومهم ومشاكلهم ومعالجتها بالسرعة الممكنة، وعدم تركها تتراكم لأنها قد تؤدي الى تداعيات خطيرة عند الطفل والمراهق وقد تدفعه الى الغوص في مخاطر كثيرة منها الولوج الى تلك الألعاب المميتة.
ماهي لعبة الحوت الأزرق..؟
لعبة ( الحوت الأزرق) هي تطبيق يُحمل عن طريق النت وهو يقوم باختراق كامل بيانات الهاتف الجوال من معلومات وأسماء وصور ثم يقوم فيما بعد باستخدامها كورقة تهديد وضغط على الطفل والمراهق من أجل إخضاعه كليا لكل ما يصدر من أوامر عن اللعبة .
التطبيق ينتهج مخططا واضحا مدته خمسين يوما يبدأ بتدمير وتحطيم نفسية الطفل حتى يسهل فيما بعد دفعه للانتحار، وخلال هذه المدة يتلقى الطفل كما هائلا من مشاهد الرعب والخوف التي تزرعها اللعبة في عقله ووجدانه حتى تحوله الى كتلة من الرعب والتوتر والقلق، ثم تنتقل اللعبة الى مرحلة جديدة تقوم على تهديده بقتل والديه واخوته وأصدقائه إذا قرر التراجع والانسحاب، وكما أسلفنا فإن التطبيق يقوم بقرصنة كل المعلومات الموجودة في الموبايل المستخدم ليصار الى ابتزاز الطفل عبرها ومن خلالها.
اللعبة تحاور الطفل في بداية الامر على انها مجرد مغامرة يجب على كل من يلعبها أن يقبل التحدي، ولا تفتح اللعبة إلا عندما تتأكد من أن صاحبها قد نقش رسم الحوت الأزرق على ذراعه بأداة حادة للتأكد من أن الشخص قد دخل في اللعبة فعلاً، وبعد ذلك يبدأ المراهق بتلقي أوامر غريبة كالاستيقاظ في وقت مبكر جداً، والاستماع الى موسيقا صاخبة ومشاهدة مشاهد عنف بغية تدمير وتحطيم نفسيته بالكامل، وتستمر المهمات لتشمل مشاهدة أفلام رعب بهدف التغلب على الخوف، ولا يُسمح للمشتركين بالانسحاب من هذه اللعبة، وإن حاول أحدهم فعل ذلك فإن المسؤولين عن اللعبة يهددون الشخص الذي يريد الانسحاب بقتله مع أفراد عائلاته ويبتزونه بالمعلومات التي أعطاهم إياها او تلك التي سرقوها من موبايله.
يذكر أن لعبة (الحوت الأزرق) كانت قد تسببت بانتحار عشرات الأطفال والمراهقين حول العالم ومنها دول كثيرة في الوطن العربي كالجزائر والكويت ولبنان مثلاً.