ثورة أون لاين-علي نصر الله:
انسحبت أميركا من الاتفاق النووي الإيراني، وعلى نحو مباشر ازدحم الفضاء بردود فعل دولية تباينت في حدة التعبير عن الموقف من الانسحاب بذاته بعد أن كان العالم قد احتفى /2015/ بتوقيع الاتفاق واعتبره واحداً من أعظم إنجازات الدبلوماسية الذي أكد قُدرتها على إقفال وحل أعقد الملفات الدولية عن طريق التفاوض عندما تتوفر إرادة الحوار.
مُنفردة إسرائيل هاجمت الاتفاق، ومعها السعودية، ويداً بيد وبصوت واحد راح الكيان الصهيوني يُحرض الدولة العميقة بأميركا لإلغائه والانسحاب منه، فيما ذهب الكيان الوهابي للتعهد بدفع أي ثمن تطلبه واشنطن مقابل انسحابها منه، فكان الانسحاب الذي يعرف العالم باقي التفاصيل التي سبقته (نشاطات اللوبي المدعومة بمئات مليارات الدولارات النفطية الخليجية)، لكن ما قد يصعب على العالم معرفته هو تداعيات ما بعد الانسحاب.
لن نتحدث عن جُملة الأكاذيب الأميركية الإسرائيلية السعودية التي استُخدمت، ولن نتعرض للمواقف الأوروبية التي ستبقى أعجز من أن تبني مساراً مُستقلاً لها عن الولايات المتحدة، ذلك لأنّ مجموع هذه الكيانات اتّخذت إما العداء أو الخصومة منصة، فيما اختارت أخرى أن تلعب دور التابع الرخيص العاجز.
ما يَجدُر التوقف عنده ليس الترحيب السعودي ولا التأييد الإماراتي ولا الشكر الإسرائيلي لأميركا، تماماً كما لا تبدو المواقف الأوروبية جديرة بالتوقف عندها لأنها ستتبخر سريعاً، فلا تترك من الأثر إلا ما يُسيء لها ويُثبت مجدداً أنها قارة عجوز مُصابة بالشلل، وبكامل إرادتها.
الجدير بالتوقف عنده مُطولاً هو ما صدر عن أمين عام جامعة الأعراب أحمد أبو الغيط، لا لأنه كلام سياسي مهم، بل لأنه يُلخص القصة عن آخرها، ويُظهر فعل الخيانة العظمى الذي يتحمس له مع الأعراب بقية أعضاء منظومة دول الاعتلال العربي، فماذا قال؟.
(الاتفاق النووي تناول بشكل حصري الشق النووي في الأداء الإيراني، ولطالما قلنا إن هذا العنصر على أهميته ليس العنصر الوحيد الذي يجب متابعته، لأن إيران تُنفذ سياسات بالمنطقة تُفضي إلى عدم الاستقرار، وهي حتى بدون البُعد النووي تتبع سياسات نعترض عليها لأنها تستند إلى الإمساك بأوراق عربية في مواجهتها مع الغرب)، قال أبو الغيط حرفياً.
إذاً القصة ليست بالنووي، هي في مكان آخر مُشترك بين أميركا والأعراب وما سمي بالمُعتدلين العرب الذين يضعون أنفسهم في سلة واحدة مع الإسرائيليين والأميركيين!.
وإذاً الحقيقة أيضاً هي في مكان آخر، المُواجهة الإيرانية مع الغرب، واستخدام طهران أوراقاً عربية تُمسك بها في هذه المواجهة! بالمناسبة نَتحدى أبو الغيط أن يُعدد هذه الأوراق مهما امتلك من مقادير الوقاحة ودوافع الخيانة!.
ما الأوراق التي تحملها إيران في مواجهتها مع الغرب، فلسطين والمقاومة ضد الاحتلال (الورقة رقم واحد)، التصدي لمشاريع التقسيم والتجزئة القائمة على الفتنة (الورقة رقم اثنان)، ومُحاربة الإرهاب التكفيري كأداة صهيونية أميركية غربية (الورقة رقم ثلاثة).
لا نعتقد أنّ ثمة أوراق أُخرى تُمسكها إيران بمواجهة الغرب المُتصهين، وقد أمسكتها لأنّ من يتوجب عليه الإمساك بها لم يكتف بالتخلي عنها، بل راح يُقوي اللاعبين بها لتصفية فلسطين كقضية، ولتفتيت المنطقة وتمكين إسرائيل، ولزرع الفتن وإشعال نيرانها!.
تعبير أبو الغيط فعل خيانة مُكتمل الأركان، وبالمُطلق لا يمكن اعتباره كلاماً أو موقفاً في السياسة، إذ يُمكنه الاختلاف مع إيران وسواها في السياسة، لكن بالمُقابل هو غير مُلزم بالدفاع عن سياسات الآخرين خاصة عندما تستهدفه بصميم انتمائه لمصر وللعروبة والإسلام، لكن إذا كان أبو الغيط أخلاقياً على هذه الحال، فكيف لنا أن نَميزَ الخونة أو أن نُشخص فعل الخيانة؟!.