ثورة أون لاين-علي نصر الله:
قُدر لي أن أحضر اجتماعاً مهماً في وزارة الداخلية، كان مُخصصاً للبحث في القبض على أسباب السلامة المرورية، والتخفيف من حوادث السير، والعناية بالسلامة العامة للطرق، للركاب،
ولمُستخدمي هذه الطرق، المركزية منها والفرعية داخل المدن والمحافظات، وتلك التي تصل بينها.
المُفاجأة، لا أُخفي حجم المفاجأة التي شعرت بها، وهي أنّ أغلبية الأطراف الحكومية وغير الحكومية المُمثلة بالاجتماع هي على علم بأدق تفاصيل الموضوع المركزي والمسائل الفرعية المُتعلقة به، وقد بدا من الواضح أنّها مُجتمعة التقطت من زوايا مُختلفة كل الهنّات، وهي على معرفة بكل المُشكلات، بل إنها تمتلك حلولاً لهذه المشكلات ولغيرها وبأُفق مُستقبلي يَستجيب لحالة التطور المُتسارع والكثافة المُتنامية بازدياد أعداد المركبات والآليات وبالتالي مُستخدمي الطرق.
المعرفة بالمشكلة إقرارٌ بوجودها، وامتلاكُ حل لها يُفيد بأنّ التفكير بها قد جرى، وبأنّ استشعار خطر استمرارها تُدركه الجهة المَعنية أو الجهات المعنية، ذلك لأنها قد تكون مشكلة مُركبة تتصل بأكثر من جهة، أو أنّ عائدية مُعالجتها تستدعي اجتماع هذه الجهات وتعاونها، وهذا ما حصل في الاجتماع الذي جمع كل الأطراف ذات الصلة، وهو ما يحصل في اجتماعات أخرى بين أطراف مُتعددة لمناقشة قضايا ومشكلات أخرى.. إذاً لماذا تستمر المشكلة؟ أو لماذا لا تنجح المُعالجة رغم أن جميع عناصر النجاح مُتوفرة بالرؤية والحل والإجراءات؟.
في الحقيقة نحن نحتاج للعمل بروح الفريق الواحد، وبمَنهجية التكامل في الدور والإيمان بها سبيلاً للنجاح وترك الأثر أو بلوغ النتيجة التي يضعها الجميع هدفاً وغاية له مديراً، وزيراً، جهة عامة تُمثل في نهاية المطاف ليس الحكومة فقط، بل المُجتمع بأكمله، هذا بالضبط ما نحتاج تفعيله كنمط وأسلوب عمل يتفاعل ويستجيب ولا يُرجىء أو يؤجل كي لا تقع التراكمات التي يصعب أمر مُعالجتها تالياً.
بالعودة إلى موضوع الاجتماع «السلامة المرورية»، ربما يَظلم مُعظمنا شرطي المرور، إدارة المرور، وزارة الداخلية، عندما ينتقد الحالة المرورية على طرقات الوطن اعتقاداً منّا جميعاً أن إدارة المرور هي المسؤول لطالما لا نجد أحداً على الطرقات سوى شرطي المرور ودراجته، في الحالتين تحت المطر وتحت الشمس وما بينهما، بينما من المُؤكد أنّ هذا الشرطي هو آخر من ينبغي إلقاء اللوم عليه!.
الطرق العامة، الشاخصات التعريفية بحال الطريق، والتحذيرية من السرعة الزائدة ومن المُنعطافات والمُنزلقات والمُنحدرات، وذات الدلالة على المدن والقرى والبلدات والمطارات وسواها، ليست من مسؤولية إدارة المرور وحدها ولا حتى وزارة الداخلية، بل هي أحد الشركاء في أمر حفظ سلامة مُستخدميها والحرص على راحتهم، إذ يتصل الأمر بشكل أو بآخر بجهات أخرى منها وزارات النقل، الإدارة المحلية، الكهرباء، الصحة، العدل، مجالس المحافظات والمدن والبلدات، و.. و.. الخ.
بسعة صدر تتحمل وزارة الداخلية الحصّة الأكبر من اللوم والعتب والانتقاد، لكنها ليست الجهة المسؤولة بالتأكيد عن النواقص ولا عن التردي بمُستويات الأداء لجهة تقديم الخدمة الطُرقية الأفضل التي ينشدها المواطن، لكن أن تتصدى لمُخاطبة الجهات الأخرى – من مُنطلق أنها الحاضر الوحيد على الطرقات – لإنارة طريق ولصيانة وتخطيط وتعبيد آخر، ولوضع الشاخصات والمُنصفات، ولإغلاق الممرات الجانبية غير المُخطط لها، و.. و.. فإنّ عناصر شرطة المرور قبل كوادر الأجهزة الأخرى بالوزارة تستحق الثناء وأداء التحية لها، على أمل أن تتكامل معها في الدور الجهات الأخرى ذات العلاقة، ودائماً من أجل سلامة مرورية لا تحفظ فقط سلامة الناس بل تحقق حزمة واسعة من الأهداف اقتصادية واجتماعية وحضارية وبيئية وتربوية.