يلعب رواد المقاهي بالنرد أو أوراق اللعب وبأحجار الدومينو، وأحياناً الشطرنج على أنه لعبة الأذكياء، مثلما كانوا زمن الجاهلية يلعبون بالأنصاب والأزلام وفيها يقتسمون الأشياء الثمينة، في النادي الأممي يُمارَسُ ما يشابه القديم والجديد.
كان في عصبة الأمم ما يشابه، ما أدى لاقتسام دولنا العربية من قبل الاستعمار الغربي بالانتداب أو الاحتلال المباشر أو المتمدد كما حدث في فلسطين، وبعض الدول الإفريقية والآسيوية،اليوم اللعب ذاته يمارس في الأمم المتحدة، بل منذ تأسيسها.
تغيرت الخيارات واتبعت وسائل جديدة للعب هناك، هي تلك الأوراق المحشوة بالكلام ويتمم الفوز فيها بالتصويت، حيث بقيت الدول التي وقَّعت أوراق استقلالها حبيسة الأوراق، فهي مرتهنة لأعدائها اقتصادياً، حتى بحفنة قمح لرغيف خبزها.
أما المحتلة منها فحدّث ولا حرج، الكلام لأجلها يباع تحت القبة، والكثير منه يهدى مجاناً، والأكثر يصبح هراءً، حتى لتضيق منه الأنفاس، ويتصاعد ثمن الكلام في زمن ما أسموه (الربيع العربي)، الكل البغيض يلعب بالكلام في نادي المتكلمين.
بعد كل ما حلَّ في أمتنا، والانهيارات التي حدثت في بنيتها، والتصدع الذي أصاب الصف العربي، والانبطاح والتسول على العتبة الأمريكية تحديداً، من حكام ومن دُعوا بالمعارضين، والتلطي بجدران البيت الأبيض، لمن حلم بربيع يجعله حاكماً.
وقف ترامب مؤخراً في سوق عكاظ ليلقي كلاماً غير مكتوب، يلعب به بدل أوراق اللعب بالعروش والتيجان، ليحقق رغبة صهيونية؛ وهو المحب لهم حتى الثمالة التي وقع بها على ورقة، اعتبرها صكاً يمنحهم به القدس عاصمة لكيانهم الغاصب.
التوجه لتحرير إدلب السورية بعد معركة تحرير الجنوب، طيَِّر صوابهم، ما أخذ بهم مجتمعين وفرادى لاتباع وتائر التصعيد، ضد سورية وإيران، وحتى روسيا، وتهديد عرش البقرة الحلوب، وتحريك الأسايش لمنع طلبة وتلاميذ الحسكة من مدارسهم.
تصعيد يتزامن مع وتيرة مناورات الناتو، على أنها لا تهتم بتسلم سورية إس 300، تطميناً للكيان الصهيوني، وتتصاعد وتيرة التشديد التركي، وتائر تصعيدية في مقابل لا تغيير في وتيرة العمل السياسي عامةً، خاصة وروسيا قادرة على محاورة الجميع.
الإسرائيلي يهدد بضرب إس 300 لكنه غير قادر، فلم يتمكن التحرك أثناء نقلها، ثم عند تمركزها في أماكنها المخصصة، وهو يعلم قدرة منظوماتها الدفاعية في حماية السماء السورية، ولعله ليس بالغباء الذي يأخذه ليكرر ما حدث للطائرة الروسية.
أروقة الأمم المتحدة وقاعاتها تجاوزت نادي الكلام، ليرفع الستار عن نتنياهو وأصحابه للعب مسرحية (استراتيجية التنفيس)، المتعارف عليها في العلوم العسكرية، حين لا يستطيع الجيش تحقيق هدفه؛ يذهب عبر أماكن أخرى، وهنا هي إيران ولبنان.
لبنان وإيران عصيتان على الكيان، فلا يمكنه التحول للتنفيس عبر لبنان وإن حاول التحشيد لاستعادة قوته العدوانية أمام الداخل لديه، فلم يعد من إمكانية لمعادلة 2015 مع حزب الله، فأي قذيفة قد تشعل حرباً، ظروفها غير مستوفية وفي غير صالحه.
معركة إدلب إن لم تنته سياسياً، فالحل العسكري هو البديل الطبيعي لتحريرها، وإن طال بعض الوقت، والتركي في سورية غازٍ ومحتل، ولا توصيف آخر ويعامل على هذا الأساس، أما الأمريكي في سورية إن لم ينسحب كما وعد ترامب فالمقاومة بالمرصاد وتجربته في لبنان والعراق، ليست ببعيدة ومن الغباء عدم إدراكها.
الأمريكي عندما يود التخلي عن عملائه بعد انتهاء أدوارهم، أو سأمه من غبائهم وعدم قدرتهم على تنفيذ خططه، تكون ذرائعه جاهزة للقضاء عليهم، مادلين أولبرايت ورطت صدام حسين في الكويت، والسعودية تتورط اليوم بالخاشقجي.
الناتو العربي الذي يروج له؛ فكرة أمريكية قديمة حديثة، الهدف منها تثبيت أمن الكيان الصهيوني، وتحقيق السلام له، على أن تنعقد قمة حلف (ميسا) بزعامة أمريكية للوقوف في وجه إيران، ولشراهتهم أمام متغيرات أماكن الطاقة النفطية.
أمريكا تسعى لتكوين هذا الحلف وتسخيره لاحتلال المنطقة، مع أنها متواجدة على شواطئ الخليج، وفي قواعدها البرية على أرضه، هي تحاول استمالة جيش مصر لفكرتها، لكن عقيدته رغم كامب ديفد تمنعه من التورط في حرب ضد إخوته العرب.
حلف (ميسا) غير قابل للحياة، القوى الخليجية تتهالك في اليمن، ولن تكون أمام فكرة الحلف خاصرة رخوة ظنوا بعد أوسلو أن تكون فلسطين، وعلى القيادات الفلسطينية أن تدير خلافاتها بما لا ينافي الهدف الاستراتيجي، حقهم بأرضهم وخدمته ميدانياً.
يبقى نادي الكلام قائماً ومقهاه مفتوحة، والمكائد الأمريكية تحتل سوقه كما الكيماوي والخوذ البيضاء، إن تغيرت هيلي أو بقيت ومهما تبدل من حاشية ترامب السياسية والعسكرية، تظل الأفعى الأمريكية برؤوسها الإدارية الثلاثة تنفث السم الزعاف، وتبقى سورية هي الأقوى تحرر أرضها، تفتح معابر حدودها، والكل يستدير لقبلتها.
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 18-10-2018
رقم العدد : 16814