تعلمنا أن الأيام مرهونة بالقدر والنصيب، إلا أن هذا لا ينفي أن يكون العقل حاضراً دوماً. لكن الأيام التي مرت علينا في هذه السنوات، جعلتنا نفكر بشكل جدّي أن رسم الأيام وتوجيهها ينحدر من عقول الناس خيرها وشرها، أما أن يكون للقدر يد فربما؟!
الصراع بين الدول الكبرى مذ كان العالم مقسوماً إلى كتلتين، شرقية محركها الاتحاد السوفييتي، مقابل المعسكر الغربي الذي تتصدره الولايات المتحدة الأمريكية، صراع فكري وعقائدي، ومنهجي في التعامل مع ما أسموه دول العالم الثالث أو الدول النامية.
الكتلة الشرقية أو ما يدعى في حينه المعسكر الشرقي، لم يكن يوماً مسعاه احتلالياً أو مهيمناً، كان مناصراً لقضايا الشعوب المضطهدة، والتي تخلصت من الاستعمار الغربي باستقلالها، بينما الاستعمارية سعت لربط الدول المستقلة بعجلتها اقتصادياً.
حجة المستعمر كانت؛ أن شعوب هذه الدول تفتقر للعلم والثقافة والموهبة والخبرة التقنية، فلا بد من اعتمادها على الدول التي استعمرتها لتحضّرها، بينما الحقيقة أن الفكر اللصوصي لجعلها تهيمن على ثروات هذه الدول، رغم طردها بقوة شعوبها.
تقسمت الدول العربية وأغري حكامها بالعروش والكراسي، وسَرَقَتِ الأيام حياة الشعوب وهي تناضل لأجل استقلالها الحقيقي، والثمن باهظ وغالٍ جداً، كلف دماءً وأرواحاً، فلا بد من تغيير أنماط التفكير، فأقفالها أغلقتها لصالح المستعمر المدحور.
توالت الأيام على الدول العربية، فالتي ارتبط حكامها؛ أصبحت النهضة فيها حالة نضالية حقيقية لأبنائها، سعياً للتحرر الحقيقي من نير الاستعمار، والبعض تكاتفت قياداتها مع شعبها بعد نضال سياسي مرير، فتسارعت نهضتها لتكون في المقدمة.
هي الأيام التي عاشتها سورية لسنوات، تقدمت فيها لتصبح أولى النامية وعلى خطوة لمنافسة دول تدَّعي أنها متقدمة، فتحت سورية آفاقها العلمية والفكرية، ولم تنس أنها ضمن أمة، فمدت يدها للجميع، لأجل وحدة الأمة، فهي أولى شعاراتها، وهاجسها الدائم.
كيف لي أن ألملم دمعاً في مآق تقرحت، وهي تجمع الحروف المبعثرة، لتتمكن من توصيف أيام صُنِعَتْ بالدم والعرق، أعيت أبناءها مسافات الأرق والقلق، في سباق الزمن، فلا توقف في استراحة، ولا في محطة وقود، يشحذون ذاتهم من جهد ذاتهم.
وطن تعشّق بالياسمين، حنون على أبنائه أبيّ سمح، عصيّ على أعدائه، فقد تكسرت سيوفهم على رقاب أبنائه، تثلمت نصالهم على شجيرات ياسمينه، ظل قمحه معطاء محشواً بحب الأرض التي ارتوت من نجيع أبنائها، ما شققها العطش ولا مرّ الحرب.
رغم قسوة الأيام ومحاولة نشر العتمة وزرع الموت والقهر، لإدمان الحزن والجزع تصدّر الصبر وأقنع الإيمان بالتغيير؛ أن الفكر قادر على إنتاج أفكار ذهبية بارقة، تصوغ القادمات بإشراق جديد، صناعها شباب الوطن، أمهر من صاغة الذهب العتيق.
أعداؤنا صنَّعوا في مراكزهم أياماً متباينة، أولهما إيهام شعوبهم بأنهم جديرون بثقتهم من خلال إنعاش الحياة الاقتصادية، والحفاظ على مصالحهم، والغاية تبرر الوسيلة في حفظ أمن شعوبهم، معتمدين الدهاء والسلاح أولوية للسيطرة على مقدرات العالم.
أما الشق الثاني فهو الضغط على دول العالم غير المتحالفة معهم مهما بلغت قوتها، بفرض العقوبات الاقتصادية، والتضييق التجاري، وتأليب شعوب البلاد الآمنة على بعضها بتحريك الغرائز العرقية، وتسييس المذهبية، وشيطنة الحكام والقيادات.
خططوا لابتزاز وتسخير مقدرات دول أقنعوا حكامها أنهم صنعوا لهم أيام حكمهم فجرفهم تيار الدوران في فلكهم، ثم حلب ضروع النفط من أبقار العروش، ورسموا أواخر أيام عملائهم بانتهاء مهامهم الوظيفية، استعرت نار حقدهم في الآونة الأخيرة
أسئلة مفصلية تدور في عمق التفكير، من يصنع أيام الأوطان؟؟ أسئلة افتراضية أجوبتها محيّرة، أفراد أم شعوب، أم متسلطون بقوة السلاح والتخطيط الجهنمي، ويأتي الجواب الصادم، هُمْ خططوا لزمن الخيبات والحروب ومحاولة الهيمنة على الشعوب.
في وطن مثل سورية أضاء أبناؤه أيامه نوراً، بعد ظلام الاحتلال العثماني والغربي، نفضوا عنه تواتر أحداث سياسية وعسكرية، عاشوا أمناً وأماناً أربعين عاماً أضاؤوا فيها شمعة كل يوم، ليزداد بريقاً وبهاءً، ويرفل أبناؤه بالأمن والعافية.
تلك الأيام صنعها أبناء بلدي، وأجياله ستصوغ أيامه القادمات، فالمواطنة جينات وإرث لا ينتهي، تقهر الفظائع الشنيعة التي روعت أبناءه في وقت ما.. نور المواطنة لا يسمح لنار الفتنة أن تشتعل، وستزهر إبداعات أبنائه، فذائقة السوريين لا شبيه لها.
شهناز صبحي فاكوش
التصنيف: إضاءات
التاريخ: الخميس 25-10-2018
الرقم: 16819