لايمكن إلا أن نتوقف ونحن في محراب التاريخ أمام عظمة هذه الأوابد التي أبت إلا أن تقاوم أشكال الإرهاب وطغيان مغتصبي التراث، يريدون أن يدفن الماضي وتمحى الذاكرة متناسين أن حضارة الأجداد المتجذرة في عمق الزمن هي اليوم تعانق جميع أفراد المجتمع بعناق أبدي، تدفع عنهم وبحراب من نار كل طاغية تمتد أيديها الآثمة بالغدر والعدوان.
وفي إعادة افتتاح المتحف الوطني أمام زواره من جديد والارتحال إلى عصور ماقبل التاريخ والعصور التاريخية والكلاسيكية والإسلامية نشعر بتلك اللحظة المهيبة لعظمة ماتحمله هذه العصور من حكايات الأجداد التي نفخر بأننا أبناؤهم ويحملنا مسؤولية أن نحافظ على كل آبدة هي في الحقيقة قصة إنجاز علمي أو محفل أدبي، أو يوم عظيم من أيامهم..
ويحضرني وأنا أتجول بين أرجاء المتحف ذاك اللقاء الذي جمعني بالفنان التشكيلي موفق مخول عندما سألته: كيف أستطيع أن أنمي الذائقة الفنية عند الأطفال في مهمتي التطوعية في جمعية تعنى بشؤونهم؟ فقال: «قبل كل شيء يجب أن أحيي لديهم الانتماء للوطن فقليل من أجزاء الفخار مطمورة في التراب ومحاولة البحث عنها وإعادة تشكيلها وإعادتها للحياة تشكل لدى الطفل متعة وقيمة مضافة في حياته، فلايكفي اكتشاف الماضي، بل يجب حماية آثاره»، وربما العنف علمنا أن نحمي هذا الماضي أكثر، هذا التناقض بين العنف والحب يجعلنا أكثر حرصا على مانملك من كنوز.
لاشك أن جهودا كبيرة سبقت افتتاح المتحف الوطني في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، وهذا يؤكد تعلق أبنائها بتراث أجدادهم، وحرصهم على حمايته بالرغم من مطامع من حولهم، مايجعلنا نلتفت إلى نظرية هامة وهي أن كل شيء يجب أن يبدأ من الصغار والشبان الذين سيبتكرون المستقبل في الغد.
وربما النص السومري الذي يقول على لسان أحد الحكام عندما تعرضت مدينته للخطر «يجب القتال حتى النهاية حتى لو أصبحت مدينتي تلا وأصبحت أنا كسرة فخار مدفونة في خرائبها» يؤكد مسؤولياتنا في أن نضيء على الماضي هوية وقيمة ومجدا لايغيب.
فاتن دعبول
التاريخ: الثلاثاء 30-10-2018
رقم العدد : 16823