فاقت الكميات المُنتجة من الغاز الطبيعي من منطقة غرب الفرات ما كان يتم إنتاجه قبل الأحداث من تلك المنطقة بأكثر من أربع ملايين متر مكعب يومياً، وما نلمسه من تحسن لوضع الكهرباء وانخفاض ساعات التقنين يعود لتلك الجهود المبذولة في قطاع النفط والغاز وهو يؤشر إلى أمرين مهمين، الأول يتعلق بكفاءة الكوادر الوطنية في إعادة إعمار ما تم تخريبه خلال الأزمة، والثاني إلى وجود الغاز بكميات كبيرة في سورية وبالتالي أهمية الاستفادة منه في مرحلة إعادة الإعمار وتطوير استخداماته وإعادة إحياء مشروع تشغيل وسائل النقل الجماعي كمرحلة أولى على الغاز.
الاكتشافات الجديدة شمال دمشق في منطقة قارة والبريج وديرعطية والتي زاد الإنتاج اليومي منها على مليوني متر مكعب لم تكن في الحسابات قبل الأزمة والتي يزيد الاحتياطي القابل للاستخراج عن 20 مليار م3 قابلة للزيادة والأهم أن ذلك تم بخبرات وطنية وشركات، وطنية الأمر الذي يؤسس إلى إمكانية الكوادر المحلية في استكشاف النفط والغاز وإنتاجه في ظل ظروف العقوبات والحصار وتدمير البنى التحتية لهذا القطاع.
الرؤية المستقبلية لهذا القطاع تبشر بكفاية الإنتاج المحلي وتلبية كافة الاحتياجات الصناعية والتدفئة والنقل وإمكانية التصدير ولا سيما مع المؤشرات الجيدة والمامؤلية العالية لاكتشافات الغاز في مياه البحر، وستشهد الفترة اللاحقة أولى التجارب لتمديد الغاز المنزلي إلى المنازل في بعض الضواحي السكنية الحديثة وهذا سيؤخذ بعين الاعتبار في ملف إعادة الإعمار ولا سيما في استحقاق تحلية مياه البحر والذي سيشكل حلاً إجبارياً نتيجة الجفاف المتزايد الذي يصيب المنطقة.
وإذا صحت الدلائل الأولية في البلوكات البحرية فإن سورية قابلة لأن تتحول إلى دولة إنتاج ومرور للغاز حيث تشغل الثروة المكتشفة في شرقي المتوسط كل دول الجوار من تركيا التي بدأت بالحفر قبالة مرسين إلى مصر التي اكتشفت حقولاً ضخمة للغاية تزيد على 850 مليار م3 إلى الكيان الصهيوني الذي ينهب الحقول الفلسطينية والذي يفكر بشكل جدي باستغلال بنى الإسالة الضخمة الموجودة في مصر باستخدام الأنبوب المصري بشكل عكسي.
الغاز الذي يشكل عصب الحياة الحالية والذي يغذي العديد من الصناعات في سورية مثل الأسمدة والإسمنت قابل لأن يتحول إلى المصدر الأساسي للقطع الأجنبي في حال تم التخطيط بالاعتماد عليه وقادر ببساطة أن يكون البديل الاقتصادي الأعنف للمازوت الذي لطالما شكل عصب الاقتصاد السوري.
شكلت ثورة اكتشاف الفحم الحجري أسس نهوض أوروبا الحديثة، وعصر النفط الرخيص أساس قيام الولايات المتحدة ولم يكن نصيب العرب من هذه الفرص سوى الدماء والدموع والخراب.
يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: ماذا لو أن أوروبا باعت فحمها الحجري كما يفعل العرب!! هل كانت لتنهض؟؟.
معد عيسى
التاريخ: الثلاثاء 6-11-2018
رقم العدد : 16829