لم يكن الاعتداء بالقذائف الكيماوية التي قامت به التنظيمات الإرهابية واستهدفت المدنيين منفصلاً عن حالة التصعيد التي تمارسها تلك التنظيمات على مدى الأسابيع الماضية، ولا هو خارج سياق اللعبة التي يمارسها النظام التركي في استهلاك الوقت، واللعب على متناقضات المشهد الإقليمي والدولي للهروب من الاستحقاقات التي أملتها تفاهمات آستنة التي تواجه استعصاءات سبق لروسيا أن أعلنت عنها غير مرة.
في التوقيت.. يؤشر الاستخدام هذه المرة إلى طبيعة الأجندات التي تعمل تحت سقفها تلك التنظيمات، وهي التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بطبيعة المشغِّلين والأهداف الحقيقية التي يعملون عليها، بدءاً من النظام التركي.. وليس انتهاء بالأميركي الذي يدخل في مبازرة رخيصة لا تخفي الرغبة في استغلال الحالة القائمة من أجل تحقيق ما عجزوا عنه بالمداورة والمخاتلة والتصعيد والتسخين السياسي، وصولاً إلى الدفع بتلك التنظيمات إلى استخدام الغازات السامة في استهداف المدنيين.
وفي الجوهر.. نحن أمام حقيقة واضحة سبق لسورية أن حذرت منها وهي امتلاك تلك التنظيمات الإرهابية للأسلحة الكيماوية، وتوافرت لديها القدرة على استخدامها بخبرات فرنسية وغربية، ناهيك عن طريق إيصالها والتي كان النظام التركي الراعي والمشرف والمتبني لعملية تزويد تلك التنظيمات بالأسلحة الكيميائية، وصولاً إلى مجموعة من التدريبات الخاصة بطريقة الاستخدام، وليس انتهاء بالضوء الأخضر من قبل المشغِّلين في اختيار التوقيت والمكان والمستهدَفين.
المقاربة اليوم لم تعد تحتمل المزيد من الإضافات والشواهد التي فاضت عن الحاجة، وأصبحت ضاغطة إلى الحد الذي لم يعد مسموحاً فيه المداورة على الحقيقة، وأن هؤلاء الأبرياء الذين كانوا ضحية الأعمال الإرهابية لا يمكن بحال من الأحوال السكوت عمّا تعرضوا له، مهما تكن الحجج والقرائن السياسية التي تحضّر من هنا وهناك، وأن المراوغة في تنفيذ الاتفاقات التي وقعها النظام التركي مع روسيا حول ما سمي مناطق خفض التصعيد تتحمل قسطاً مما جرى، لأن تلك الاتفاقات تقضي بأن تكون هذه المناطق خالية من الإرهابيين ومن أسلحتهم ووجودهم لو نفذت وفق المحددات والمهل الزمنية المتفق عليها.
الأهم أن المعضلة لم تكن في الإرهابيين فقط، ولا المشكلة في إرهابهم فحسب، بقدر ما كانت في رعاتهم وحماتهم والضامنين لهم الذين استخدموهم مراراً وتكراراً، وكانوا السبب الأساسي في تفشي وجودهم، إلى الحد الذي باتوا فيه عبئاً على المجتمع الدولي وخطراً محدقاً بالإنسانية، التي تدفع ثمناً باهظاً لوجود دول غير مسؤولة ومتهورة وتمتلك أدوات أكثر تهوراً، ولاتتردد في الاستثمار بالإرهاب وأدواته.
فقد آن الأوان لمساءلة من كان مسؤولاً عن وصول أولئك الإرهابيين ومموليهم ورعاتهم السياسيين و«الأيديولوجيين»، والمسؤول عن امتلاكهم هذه الأسلحة التي جيّروا العالم من غربه وشرقه..شماله وجنوبه لاتهام سورية بها، كما آن الأوان وقبل أي شيء آخر لاجتثاثهم أينما وجدوا وكيفما تحركوا، فقد طفح الكيل ولم يعد هناك متسع لمهل ولا فرصة للمراوغة التي نحصد بعض كوارثها والقادم أعظم، في ضوء ما يتسرب من تحضيرات جادة وفعلية لإعادة استخدام الكيماوي وعلى نطاق أوسع وبطريقة أكثر كارثية..!!
بقلم رئيس التحرير علي قاسم
التاريخ: الأثنين 26-11-2018
رقم العدد : 16845