الثورة- حسين صقر:
كثيرة هي الاضطرابات والأمراض النفسية التي تؤثر على المزاج، والتفكير، والسلوك، وتشمل طيفاً واسعاً من الحالات التي تبدأ عند المريض بشكل لا يلفت الانتباه وتتشكل خطورتها تدريجياً. من هذه الاضطرابات مرض عدم تصديق وقوع الأحداث، أو ما يسمى بالانشقاق أو النكران والاغتراب عن الذات.
وللإضاءة على هذا الموضوع وبعض الحالات المصابة بهذا المرض التقت الثورة مجموعة من الأشخاص، كان بعض من أقاربهم أو أصدقائهم أصيبوا بهذا الاضطراب.
وقالت سمية الزعفراني إن جارتها لم تقبل بقيام موقف عزاء لابنها الذي فقد خلال الحرب في سوريا رغم شهادة الكثير ممن كانوا معه في المعارك التي شارك فيها، ونقلت عن لسان تلك الجارة، إنها قالت: ابني لم يمت، وغالباً ما يتواصل معي واسمع صوته دائماً، وترد عليها سمية، نعم سوف يبقى حياً في ذاكرتك، لترد عليها: لا لا .. إنه لم يمت أصلاً، أتظنين أنني مريضة مثلاً؟! فهو البارحة كلمني.
بدوره روى سعد الدين الأمير عن أخيه، أن الأخير، لم يقتنع أن ابنه لم يدخل الجامعة بعد، بل يقول: إنه في كلية الطب البشري وبين طلاب السنة الثالثة، مردداً أن ولدي من الأذكياء جداً، ولن يدرس سوى فرع الطب، وسيصبح طبيباً مشهوراً ولامعاً، وأمامه مستقبل مزهر، وذلك رغم تأكيد ابنه أن لم يلج أبواب كلية الطب، وهو بين طلاب الهندسة المدنية.
وقالت زهرة خياط عن صديقتها: أنها لم تصدق أن أخيها قد أصيب أثناء ذهابه إلى عمله، وتردد أنه حذر جداً، لا يمكن لشخص مثله أن يصاب، فهو دائم التلفت حوله، ويحسب كل خطوة يتقدمها، وتضيف أنه اليوم مسافر في إحدى الدول الأوروبية منذ سقوط النظام السابق وتحرير سوريا، وأموره على ما يرام، في الوقت الذي يقول من يعرفها: إن شقيقها لم يصب وحسب، بل لقي حتفه في ذلك الحين.
اضطرابات نفسية
ولتوضيح أسباب هذه الأمرض، تواصلت صحيفة الثورة مع الطبيب وائل عبد الرحمن الاختصاصي في معالجة الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية، حيث عرف المرض المذكور بأنه مجموعة من الأعراض التي قد تشير إلى اضطرابات نفسية مثل اضطرابات الانشقاق، أو ما يسمى تبدد الواقع أو فقدان الذاكرة، أو الإنكار النفسي، حيث يرفض الشخص الاعتراف بالواقع أو يرى الأحداث وكأنها غير حقيقية، وغالباً ما يحدث ذلك كرد فعل للصدمات النفسية أو التوتر الشديد، وقد يشعر الشخص بأنه يعيش في حلم أو أنه مراقب خارجي للأحداث.
وأضاف أن تبدد الواقع هو شعور بأن العالم أو الأحداث المحيطة غير حقيقية، كما لو كنت تشاهد فيلماً أو حلماً. وكذلك تبدد الشخصية، وهو شعور بأنه منفصل عن جسده أو أفكاره أو مشاعره.
وأضاف عبد الرحمن أن ذلك يؤدي مع الزمن لعدم القدرة على تذكر حتى المعلومات الشخصية المهمة. وشرح الطبيب النفسي أن الوصول لحالة الرفض وعدم الاعتراف بحقيقة واقعة أو حدث مؤلم، مثل إنكار الإصابة بمرض خطير أو وفاة شخص عزيز، وتتضمن التصرف كما لو لم يحدث شيء، حتى لو كانت الأدلة واضحة، وهو ما يستنزف الطاقة ويتطلب جهداً نفسياً كبيراً للحفاظ على هذا الإنكار، ما قد يؤثر على الصحة النفسية على المدى الطويل، ويهدد الذاكرة بالفقدان.
ونوه عبد الرحمن أن من أعراض مرض الإنكار، التعرض لنوبات قصيرة من الاضطراب والانفعال والضحك المبالغ فيه وكذلك الحزن، ويبدو ذلك واضحاً في العمل أوأثناء الدراسة أو في نواحٍ مهمة أخرى في الحياة، وقال: أثناء هذه النوبات، يكون الشخص مدركاً أن شعوره بعدم الارتباط بجسمه أو بمحيطه مجرد أحاسيس وليس الحقيقة. وقد يصعب وصف التجارب والأحاسيس المرتبطة بهذه الحالة المرضية، لأن ذلك قد يدفعه للقلق وحتى “الإصابة بالجنون” إلى أن ينصب تركيزه على التحقق من وجود الذات ومعرفة ما هو حقيقي. وتبدأ الأعراض عادةً في مرحلة متوسطة أو متأخرة من سنوات المراهقة أو مرحلة مبكرة من البلوغ.
العلاج
وقال عبد الرحمن لابد من استشارة الطبيب المختص بالصحة النفسية، وذلك لتحديد السبب الكامن وراء هذه المشاعر والحصول على العلاج المناسب، وكذلك تجنب الضغط، ومحاولة المريض التعامل مع المواقف المسببة للتوتر بشكل تدريجي،
والبحث عن الدعم، أي التحدث مع شخص يثق به، مثل صديق مقرب أو فرد من العائلة، فذلك قد يساعد على تخفيف الشعور بالعبء، منوهاً أن المريض يشاهد نفسه من خارج جسمه، أو أن الأشياء من حوله غير حقيقية أو كلا الشعورين. وأوضح الاختصاصي النفسي أنه عندما يستمر هذا الشعور أو لا يختفي تماماً، ويزيد صعوبة أداء المهام الأساسية، فمن المرجح عندئذ أن يكون هو اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع. وتشيع هذه الحالة لدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة نفسية، أو عاشوا حياة ملأى برفاهية معينة، أو يمكن أنهم تعرضوا للعنف أو سوء المعاملة أو غيرهما.
وقد يؤثر هذا المرض على علاقات الشخص وعمله. وفي الأنشطة اليومية الأخرى. وقال: إن العلاج الرئيسي لاضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع هو العلاج النفسي، ويسمى كذلك المعالجة بالمحادثة. وفي بعض الأحيان تُستخدم الأدوية أيضاً.