أطفأنا معظم نيران أتون حربنا، اغرورقت آلاف العيون بدموع موشاة بحنين وأنين وفرح.. تحررت مئات الآلاف من الهكتارات، لتظل الألوان المقدسة نقية ترفرف في سماء الوطن، مقدرتهم الأخطبوطية في الامتداد أصبحت أوصالاً مبتورة بلا حياة.
لن تطول علينا الأيام لنلتف جميعاً في كل أرجاء الوطن، ننصب شموع النصر في قالب حلوى الانتصار، وندع واحدة مشرئبة عالية يبقى نور ضيائها المنبعث من فتيلها الممتد نسغه إلى نجيع الشهداء، يحرق أعداءنا ويظهِّر المشهد لقادمات الأيام..
حلموا فشاهت في سراب البادية، لم ينجحوا ولن ينجحوا، الثبات السياسي الذي حيّر العقول وجعل أصحابها يدورون حول أنفسهم، طيّر النوم من الجفون، والبعض أخذ يحدث نفسه؛ كيف ينقذ نفسه، وأقدامهم تغور في دوامة رمل الحريق الذي أشعلوه.
الاحتقان السياسي ضدنا خلَّفه انتصار سورية؛ في أغلب بل كل الدول التي تآمرت وتحالفت، وأراقت المليارات، وسخرت آلاف الأبواق لتنعق حولنا مثل بوم الخرائب. ومزقت مئات الأوراق في حسابات انتظار انهيار الدولة السورية أو انسحاب قائدها.
عجزت كل خططهم على توحيد مآربهم مع من صنعوهم من دمى بشرية، وكائنات خائنة، رغم إغراقها بنفائس الآمال، جميعها أخفقت في أن توصل المحرك الأساس بني صهيون في فلسطين المحتلة لِمَا صَبَتْ إليه من تحطيم قلب المقاومة النابض.
سُحُبُ الخطايا التي تلبدت في سماء الوطن، كانت بانتظار شمس النصر، لتقشعها لأنها مرغمة على إمطار قذائف الموت والدمار والغدر. فهي مصنعة وليست من هبات الطبيعة. لتفسح لسحب تحمل في طياتها ماءً طهوراً، يغسل ما خلَّفت آثامها.
سحب الخير التي أغرقت البلاد بِطَلِّهَا في موسم النصر، لم تغسل آثام الأخرى فقط، فهي تجرف في سيلها ما حاولوا زرعه من فتن وبدع، وتأجيجاً لبغضاء وعداوات، في عملية نَحْرٍ لحضارة شعب، لتُعْمِلَ فيه التخوين ونشر المقاصل؛ وتدمير الهوية.
يبدو أن مطر سحب النصر، غسل أدمغة المراهنين على تدميرنا فثابوا لرشدهم إقراراً بأن الألم الضارب في صميم السوريين لم يتمكن من تدمير جوهر روحهم الأخلاقية، ولم يزعزع خيار المقاومة لديهم فوحدها يمكنها حماية الحاضر والمستقبل.
الجميع بدأ يعيد حساباته، حتى ذانك الذي فتح بوابات بلاده لأعداء سورية والأمة، هل أدرك حكام العرب أن لا هوية لهم ولا كيان؛ بغياب سورية، وأن لا كسب لهم بعدائها، أو بتغذية الإرهاب لِلَيِّ ذراعها المقاوم، وحرف بوصلتها عن العدو الأساس
البشير في مطار دمشق الدولي.. أبداً لم تكن مفاجأة.. إلا لمن لا يمكنه فك الرقم السوري الصعب.. رسائل كثيرة بُثَّت للعالم من دمشق المنتصرة، لم يستطيعوا كسر مصباح نور العروبة.. ولن يتمكنوا من وأد الحكايات على ألسنة الجدات للأحفاد.
أيقنوا أنهم ظمأى لرشف قوة أم ثكلى، ترش من قوارير عطر الياسمين كفن شهيدها وأخرى تغطي مهد وليدها المدمر، بشالها الحرير الموشى بسنيِّ عمرها، لنهل جمال إرادة الإصرار على الصمود، بعين ساهرة جافت النوم سنيناً، محاربة قحط الحصار
رسولٌ كَسَرَ الحصار، من وقفت سورية وحيدة معه؛ والكل صامت بعيون من حديد، حين هددته أمريكا بالمحكمة الدولية، يوم أشعلوا عليه نار دارفور، بدايةُ إدراكِ أن سورية صانعة دروع الوحدة، هي المدافعة ضد تدمير البنية المعرفية لأمة مستهدفة.
تهاوى أمام صمود سورية كل من اعتبر نفسه قادراً على تجزئة هويتها وتفتيتها، ليرتد الكيد على النحر والنحر على الكيد. وليوقن كل المشككين والسذج، أن ما أصاب سورية مؤامرة كبرى، حيث خُدع الكثيرون بإيحاء أنها ثورة روجتها الميديا.
أصابع الصهيونية حاضرة كالطحالب، تحاول الالتفاف على التاريخ لتدمير الحاضر وتخريب المستقبل، لعل امتداد هذه الطحالب إلى فرنسا، مع بدء ذات السيناريو لما سمي (الربيع العربي) ليكون (ربيعاً غربياً) أشعل تلافيف العقول لتنضج.
منذ بداية تخلي العرب عن سورية في أزمتها وإدارة ظهورهم لها وخيانة جوارها إن بفتح حدودهم للإرهاب، أو شراكتهم في انتهاك أرضها بجنودٍ وأسلحةٍ مختلفة، كنت أصر على أن الجميع سيصل إلى لحظة (وراء در) لييمموا وجوههم شطرها.
ندم يصدرونه بمواقف استباقية وحجج تحفظ ماء الوجوه، كتصريح أردوغان عن تغيير موقفه حال فوز الرئيس الأسد في الانتخابات المقبلة، هو يعرف تماماً النتيجة مسبقاً، لذا تراجع قبل أربع وعشرين ساعة، ليخفي إخفاقه بالتزام سوتشي، كما كثرٌ يحاولون تلطي خستهم بذرائع مشابهة، بما فيهم ديمستورا الذي لم يكن نزيهاً يوماً، فهو يلعب اليوم بورقة الدستور.. ويرتب لجنة الصياغة مع تركيا وإيران وروسيا أملاً لنيل نوبل، حلمه الكبير.
ألم يدرك أياً كان بعد كل ما حلَّ بسورية في سني التآمر، أنها حرة بكينونة أبنائها ولن تتخلى عن حقها في الوجود، وخياراتها في رسم حيواتها المختلفة من السياسة ونظام الحكم والرئاسة، إلى اختيارها لحلفائها وأصدقائها وما بينهما من مناحي الحياة قريباً سنطفئ الشمع على قالب حلوى النصر، ونبقي شمعة المستقبل مشرئبة مضاءة
شهناز صبحي فاكوش
التاريخ: الخميس 20-12-2018
الرقم: 16865